«زي النهارده».. وفاة حاكم مصر محمد سعيد باشا 18 يناير 1863
سها عيسيميدانيكان محمد سعيد باشا والي مصر والسودان في الفترة من 1854 إلى 1863 تحت حكم الدولة العثمانية وهو الابن الرابع لمحمد على وقد جاء خلفا للوالي عباس الأول وهو صاحب المقولة الشهيرة «أمة جاهلة أسلس قيادة من أمة متعلمة» والتي قالها مبررا إغلاقه المدارس العليا التي أنشأها والده. ومما يذكر له أنه أسس البنك المصري في 1854 ومحمد سعيد مولود في 1822م بالإسكندرية واختار له والده السلك البحري فدربه على فنون البحرية وجعل شأنه شأن تلاميذها، ولما أتم دراسته انتظم في خدمة الأسطول،واعتاد النظام الذي هو أساس الحياة العسكرية، وارتقي في المراتب البحرية حتى وصل في أواخرعهد أبيه إلى منصب «سرعسكرالدوننمه»أي القائد العام للأسطول. امتاز بالأخلاق الحميدة منها شجاعته وميله إلى الخير وتسامحه وحبه للعدل وكان يحب المصريين ويكره الاتراك والشراكسة ويميل للأوربيين وخاصة الفرنسيين منهم وكان يعيش في الإسكندرية طوال فترة حكم والده محمد على وكان يعيش بيت القنصل الفرنسى في الأسكندرية، وكان ابن نائب القنصل الفرنسى هوفرديناند دي ليسبس، وكان سعيد أثناء طفولته يذهب للعب في بيت هذا القنصل مع ابن النائب فتوطدت الصداقة بين ابن نائب القنصل فردينان دي ليسبس وسعيد. ومما قام به في عهده أن خفض الضرائب على الأرض الزراعية، وأسقط المتأخرات عليها فاستراح الفلاحون من أعباء الضرائب والمتأخرات التي كان عمال الجباية يرهقونهم للحصول عليها، ومنح الفلاحين حق تملك الأرض طبقاً لقانونه الشهير «اللائحة السعيدية» الصادرة في 5 أغسطس 1858؛ فشعر الفلاحون بالراحة والطمأنينة كما ألغى ضريبة الدخولية التي كانت تجبى على الحاصلات والمتاجر فكانت مصدر إرهاق للأهالي وتؤدي إلى ارتفاع الأسعار واشتداد الغلاء فكان إلغاؤه لها تخفيفا عن الأهالي وتحريرا للتجارة الداخلية. وقام بتطهير ترعة المحمودية وإتمام الخط الحديدي بين القاهرة والإسكندرية الذي كان قد بدأه عباس باشا ومد الخط الحديدي بين القاهرة والسويس مما عاد على ميناء السويس وعمرانها بالفوائد واهتم بالملاحة التجارية الداخلية والخارجية فأنشأ شركتين للملاحة أحداهما نيلية في 1854 والأخرى بحرية في 1857 كما أصدر لائحة المعاشات للموظفين المتقاعدين وأصلح مجلس الأحكام بعد أن قام بعدة تغييرات في هيكله، وأصلح القضاء الشرعي ومنع نقل الآثار المصرية إلى الخارج التي كانت نهباً لتجار الآثار والمغامرين، وجمعها في مخازن أعدت لها في بولاق. وأصلح جامع السيد البدوي في طنطا، وأصلح نظام الإدارة وأنهى الاختلاط الذي كان متبعاً في التقويم حيث كان هناك التقويم الهجري والميلادي والقبطي فحدد لكلٍ وظيفته وقام سعيد بتقصير مدة الخدمة العسكرية ثم عممها على جميع الشبان على اختلاف طبقاتهم، فجعل متوسط الخدمة سنة واحدة وبذلك أدخل في نفوس الناس الطمأنينة على مصير أبنائهم المجندين، وعمل على توفيرالغذاء والمسكن والملبس وحسن المعاملة لهؤلاء الجنود وكان ميالا إلى ترقية الضباط المصريين وخاضت مصر في عهده حربين منها حرب القرم التي استمرت بعد وفاه عباس باشا. واستطاعت تركيا وحلفائها بفضل بسالة الجيش المصري التفوق على الروس وإبرام الصلح بينهما سنة 1856م في مؤتمر باريس فيما كانت الحرب الثانية والتي لم تكن لمصر فيها ناقة ولاجمل غير أن ميله تجاه نابليون الثالث إمبراطور فرنسا وصداقته له لبي دعوته حينما طلب منه أن يمده بقوة حربية مصرية تعاون الجيش الفرنسي بها وكان محمد سعيد باشا عندما جلس على عرش مصر في 1854م أرسل رسالة إلى فرنسا ليستضيف فردينان دي ليسبس صديق طفولتة ابن نائب قنصل فرنسا الذي نقل إلى باريس في القاهرة وعندما حضر أصطحبة في رحلة إلى الأسكندرية ليستعيداً سوياً ذكريات طفولتهما. وفى هذه الأثناء عرض فردينان دي ليسبس فكرة أنشاء مشروع قناة السويس ووافق سعيد على هذه الفكرة على الفور وفي 1856 م منح سعيد باشا حق امتياز شركة قناة السويس وأسرف في التساهل مع صديقة الفرنسى حتى لقد خول الشركة التي ألفها مزايا تجعلها تشارك الحكومة المصرية في حقوق ملكيتها وسيادتها وقد ذهب سعيد باشا إلى اوروبا ليستشفى من مرض خطير اصابه، إلا انه لم ينجح فيه أي علاج في الخارج، فعاد إلى الاسكندرية في اواخر سنة 1862، وقد اشتد عليه المرض، حتى توفى «زي النهارده» في 18 يناير 1863 عن42 عاما وكانت مدة حكمة ثمانى سنوات وتسعة اشهر وستة ايام، ودفن في الاسكندرية بمسجد النبى دانيال.