الصيف واللي بيحصل فيه
الحكاية في الساحل ..أزمة طبقية أم حّد من الفخفخينا السكنية ؟!
أمل المصريميدانييقع ساحل مصر الشمالي من أقصى شرقي مصر، وتحديداً من مدينة رفح شرقي سيناء إلى أقصى غربي مصر، وتحديداً مدينة السلوم على الحدود الليبية بطول 1050 كيلومتراً ، لكن في عُرف الصيف والمصيف بـ Egypt، فإن الساحل الشمالي هو تلك المنطقة الممتدة من غربي مدينة الإسكندرية إلى مشارف مدينة مرسى مطروح، وذلك مروراً بالحمام والعلمين وسيدي عبد الرحمن والضبعة ورأس الحكمة بطول نحو 250 كيلومتراً.
وتشهد هذه المنطقة بالكامل مناخ خاص خلال شهري يوليو وأغسطس فهو حار رطب جدلي نهاراً ولطيف مع نسمة هواء معبأة بتراشقات لفظية وعراكات بالأيدي مساءً بين سكان الساحل "الطيب" والساحل " الشرير".
وما يستوقفنا ليس الحدود الجغرافية للساحلين، بل المفاهيم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية السائدة حول كلٍّ منهما، وما تعبر عنه في حد ذاتها من تغيرات عميقة وممتدة في مجتمعنا المعاصر.
فطبقات مصر وفئاتها الملتبسة اقتصادياً المرتبكة سياسياً المرتبكة دينياً تجد نفسها على حلبة الساحل في مثل هذه الأشهر من كل عام، وتشتعل الحرب بين أهل الساحل "الطيب" وأهل الساحل "الشرير" ويسيل الكثير من الدماء على السوشيال ميديا.
اقرأ أيضاً
- بايرن ميونخ يقدم عرضًا لضم عمر مرموش الصيف المقبل
- أحمد سليمان يعلق على صورته المسربة في السوشيال ميديا
- حقيقة اهتمام ريال مدريد بالتعاقد مع محمد صلاح مجانا
- مدرب ريال مدريد الأسبق يوجه تحذيرًا ناريًا لـ مبابي
- برنامج تدريبي لصفقة الزمالك الجديدة
- شوبير يكشف حقيقة مفاوضات الزمالك مع صديق إيجولا
- روشتة علاجية لمواجهة الأمراض الموسمية والحساسية
- خضار مثالى لتعزيز المناعة مع نهاية الصيف
- إقبال على شواطئ الغردقة قبل انتهاء الصيف رغم انخفاض الحرارة
- تعرف على تفاصيل وموعد حفل أحمد سعد الجديد فى دبى
- تحذير عاجل من الأرصاد بشأن طقس الأسبوع المقبل
- محافظ جنوب سيناء يلتقي رئيس وحدة الكشف عن المخدرات
فأهل "الساحل الطيب" رواده من البسطاء والمدافعين عنه من المثقفين والحقوقيين والمهتمين بشؤون السلم الاجتماعي ومعهم الباحثين عن صيد ثمين في أي مياه عكرة تلوح في الأفق لأسباب سياسية بحتة.
أما أهل "الساحل الشرير" ورواده من الأثرياء المقتدرين وثلة من المستأجرين شبه المقتدرين المتشبثة بتلابيب الطبقة العليا مع وجوب مطابقة معايير الجودة العالية و استيفاء شروط "فورمة الساحل" وأحكامه للعيش كشخص كول.
الحجاب والقنبلة الموسمية
ومع بداية الصيف وأيام الساحل نستعد لانفجار القنبلة الموسمية بين حرب "البكيني" و"البوركيني" ومنع بعض الشواطئ الساحلية دخول المحجبات لحمامات السباحة الخاصة بها ، او منعهن لدخول حفلة في احدي شواطئها .
وكانت القنبلة لهذا الموسم الصيفي هي شروط حضور حفلة الفنان مصطفى كامل، نقيب المهن الموسيقية، برفقة المطرب الشعبي عبد الباسط حمودة، في أحد شواطئ مدينة العلمين الجديدة.
حيث وضعت الشركة المنظمة للحفل، بعض القواعد والشروط لحضور الحفل وكان من ضمنها عدم ارتداء الحجاب بالكامل ولكن فقط العمامة أو كما يطلق عليه "التربون"، وأيضا عدم ارتداء الشباشب والنعال
وشروط هذه الحفل والتي اعتدنا على سمعها كل صيف ما هي إلا تلخيص لحال الصراع الطبقي في مصر ووضع السلم الاجتماعي ومكونات الطبقات الاجتماعية حيث المال يغني عن المكانة، ولكن المكانة لا تحقق المال اللازم للانتماء لطبقة بعينها في المنظومة الصيفية الساحلية .
وجاء مايوه هادية غالب ليحسم الصراع بين البكيني والبوركيني واستطاعت البلوجر المصرية دمج البوركيني في مجتمع الأثرياء وشواطئهم وذلك بألوانه الزاهية وسعره الذي تجاوز الـ 7 ألاف جنيه وخاصه بعدما ارتدته فنانات ومشاهير السوشيال ميديا المحجبات والغير محجبات
وقالت هادية غالب عبر وسائل التواصل الاجتماعي :"عام ونصف هي المدة التي استغرقتها لدراسة السوق والوقوف عند أسباب رفض البوركيني بشكله الكلاسيكي، وكان المرتكز هو تقديم تصميم محتشم يتمتع بالأناقة والبساطة، لا سيما أنني كامرأة أرى في الموضة المحافظة سبيلاً لراحة وثقة المرأة بما لا يتنافى على الإطلاق مع أناقتها، إن لم يكُن يضيف إلى مظهرها، غير أن الملابس المكشوفة ربما لا تسمح للمصمم بالمساحة الكافية للإبداع، جميعها دوافع وراء نجاح ملابس السباحة المحافظة التي قدمتها علامتي".
وأضافت قائلة: "تعمدت ألا أقدم ملابس السباحة المحافظة تحت اسم البوركيني، بينما أطلقت عليه "مايوه" لأنني أرى في تغيير الاسم نوعاً من العنصرية وترسيخاً للحواجز بين المحجبات أو من يتبنين الموضة المحافظة وبين هؤلاء اللواتي يملن إلى شكل آخر من الموضة، بينما نحن جميعاً أمام اختيارات متنوعة ومتساوية وشمولية تسمح لكل امرأة بأن تختار ما يناسبها".
بلبلة وطنطنة من الساحلين!
وبعد أن خفت أصوات الصراع بين البكيني والبوركيني وأصبح الكل يرتدي البورركيني بشرط أن يكون سعره يتجاوز الـ 8 آلاف جنيه مصري ، تعالت أصوات قنبلة اخري فجرت على يد المذيعة والممثلة جوري بكر التي استنكرت بفيديوهات وصور على صفحاتها على"السوشيال ميديا" أثناء وجودها في "الساحل الشرير" مع زوجها رجل الأعمال بالغ الثراء، حيث كتبت قائلة "في قلة أدب بتحصل، وفي ناس قليلة الأدب، وفي قلة أدب في الأسعار، وفي ناس ممكن تقول لي: إيه إللي وداكي؟ (لماذا ذهبت؟) لكن أنا مضطرة، وأنا الحمد لله راضية، لكن ما هذه الأسعار؟"
واستطردت مؤكدة ومتوعدة أن أي مكان سترتاده ولا تعجبها الأسعار ستفضحه فوراً على الـ "سوشيال ميديا"، مضيفة بلهجة استنكارية "يعني إيه عيل صغير يجيب (يشتري) زجاجة مياه بـ 200 جنيه؟! هي مياه من الجنة؟!".
بعد تصريحات الفنانة توالت تصريحات من بعض المشاهير وزوار الساحل الشرير الذين يشتكون من أسعار الخدمات وأطباق الطعم التي تقدم من المطبخ العالمي وأسعار السوشي، ولكن الأمر قوبل بسخرية كبيرة من النصف لأخر الشعبوبية المصرية من البسطاء والذين بقوا على حالهم ولم يستطيعون لحاق الركاب بالساحل عموما .
ومؤخرا تعدت التبرئة من الساحل الشرير وأسعاره مرحلة الفكاهة أو السخرية وباتت تبرئة من شبهة الثراء الفاحش أو الغير مبرر ، فنجد ممثلاً او مذيعاً يدلي بتصريح مفاده أنه يقضي الصيف مع زوجته وأبنائه في الساحل الطيب ولا يتردد على الشرير إلا إذا دعاه أصدقاء أو أحد الزملاء.
وإذا ارادنا سماع صوت الصراع الدائر في المجتمع بشكل أوضح فنستطيع أن نتجول عبر السوشيال ميديا لتجد صفحات كثيرة شغلها الشاغل طوال الصيف اثارت البلبلة وتصاعد أصوات الطنطنة حول أسعار تذاكر حفلت الساحل التي يبلغ بعضها ستة وسبعة واحيانا عشرة آلاف جنيه مصري أي نحو ثلاثة أضعاف الدخل الشهري للمصنفين باعتبارهم ناجين من خط الفقر في مصر هذا بخلاف الضجيج الناتج عن انتقاد ملابس شعب الساحل رجاله ونساءه.
فما أن تتسلل بعض صور لمشاهير أو غير مشاهير وهم يرتدون ملابس غير مطابقة لمواصفات الشارع المصري حتى يدق المطرودون من جنة الساحل على أوتار "العري" و"الأخلاق المنفلتة" و"التشبه بالغرب" و"الانفصال عن المجتمع" إلى آخر العبارات التي اعتادنا سماعها.
في حين أن هذا الصوت الخانق يتخلله اصوت من سكان وملاك منتجعات الساحل الشمالي يدافعون عن حقوقهم بالتمتع بالوحدة السكنية التي استطاعوا ان يشتروها بعد تعب سنوات من العمل دون ان يشاركهم أحد او ينتقد ملابسهم أو يجدون بجانبهم بوريكيني اسود شكلة وحش" يفسد عليهم منظر الطبيعية الخلابة .
في حين أن هناك أصوات تكاد تكون خافته تهاجم هذا الفصل العنصري بين طبقات المجتمع وتدعو الجميع بالاستمتاع بالساحل الطيب أو الشرير دون وجود خط فاصل بينهما.
قبحي لن يظهر جمالك
فالسواحلية الطيبين من منظورهم، يُعبر الساحل عن "لزمن الجميل" حيث كان السلوك هادئًا، والجيرة محل احترام، والأصوات خافتة، ونمط الإنفاق متسقًا مع قدرات الطبقة الوسطى.
ولكن للأسف فان وصف الزمن الجميل يحتوي على مبالغة ضرورية من وجهه نظرهم لإبراز كل ما هو "قبيح" في الساحل الشرير حيث البيوت الهائلة، والأصوات الصاخبة، والسيارات الفارهة، والسلوك المتعالي، والشباب الذى يُنفق ببذخ يصل لحد السفه، والأسعار الخيالية.
وهنا فإن المبالغة واضحة، والتعميم ليس دقيقًا، والواقع مختلف، كما أن الساحلين ليسا منفصلين تمامًا ولكن يظل تعبيرا الطيبة والشر مهمين فى كونهما يعبران عما يجول بأذهان الناس.
ولكن لماذا تبلورت هذه المقابلة الحدية بين الطيب والشرير في الساحل الشمالي وحده دون غيره من أنحاء البلد؟
هجمة عشوائية أم مد عمراني بتنميط طبقي
ففي القاهرة مثلاً وحتى ثمانينيات القرن الماضي كانت أحياء مثل الزمالك والمعادي ومصر الجديدة والدقي تصنف "راقية"، والظاهر والحلمية والعباسية متوسطة، وبولاق والزاوية الحمراء وإمبابة شعبية، وتدريجاً اختلطت التجمعات المتنامية العشوائية مع الراقية والمتوسطة، كما تسللت عمارات فارهة إلى الشعبية واختلطت الهجرة الداخلية بالعائدين من دول الخليج ببقايا الأرستقراطية مما أدى إلى "فخفخينا سكنية" أزعجت بعضهم، وهذا البعض "نجا بنفسه" ولجأوا إلى التجمعات المسورة التي جمعت في بداياتها أناساً يشبهون بعضهم بعضاً اجتماعياً وثقافياً واقتصادياً هاربين من هجمة سموها عشوائية.
لكن هذه الهجمة العشوائية يسميها حقوقيون وعلماء اجتماع وغيرهم "مداً عمرانياً بتنميط طبقي"، ويراه بعضهم فصلاً عنصرياً "غير مقبول" بين من يملك ومن لا يملك"، أو إمعاناً في تجذير الفروق الطبقية بين الجميع.
لكن الجميع يعرف أن السكن المسور الفاصل بين العالم الخارجي من جهة والداخلي المميز من جهة أخرى يبقى غاية يحققها بعضهم وحلماً يظل بعيد المنال لبعضهم الآخر، وهو الغاية المتحققة في منتجعات الساحل الشمالي بشكل عام والمتجسدة بكل أبعادها المتفردة في الجزء الشرير منه، والطريف أن نسبة لافتة من الحقوقيين والمتخصصين في التنديد بحياة الكومباوندات المغلقة والفصل بين الطبقات هم أنفسهم من سكانها.
سكان الساحل، الطيب والشرير، شأنهم شأن بقية سكان الأرض تنشب خلافات بينهم ومازال الصراع مستمر بين الطيب والشرير.