عصام نبوى يكتب..انقلاب ”قطاع” الإعلام
بقلم عصام نبوىميدانيأعرف جيدا مثل غيرى أن الثوب الذى نرتديه مليئاً بالثقوب .. مقتنعُ تماماً بأن بعضاً ممن دخلوا تحت هذه المظلة ظلموا أنفسهم وسمعتهم وطعنوا هذه المهنة بخنجر مسموم يحاول من به ذرة خير أن يتعافى من سمه،لذا أنا أتحدث هنا عن فئة داخل "الاعلام" توصف بالواعية والمفكرة والراشدة، يطلق عليها البعض لفظ "الشبعانة" ولا اتطرق إلى تلك الفئة المنتفعة والتى ارتبطت مصائرهم ومصالحهم بنظام أيا كان شكله ومضمونه وأيدلوجيته ، أتحدث عن فئة قادرة على تكوين شخصية مستقلة غير قابلة للاحتواء أو التحييد أو الانبطاح ،فئة موجودة بالفعل ولكن مغلوبة وحزينة ، تشاهد فقط وعندما تتحدث تستخدم كل مصطلحات التورية حتى لا يدخلوا فى جمل مفيدة تؤذيهم فى مؤسساتهم .
من الممكن أن يرتمى الإعلام فى أحضان نظام حاكم فى أوقات.. ومن الوارد بحكم التجارب التاريخية أن يتم ترويضه لخدمة فصيل على حساب فصيل لأسباب عديدة ، أحاول أن القى الضوء عليها لاحقاً، لكن المستحيل بعينه هو قدرة هذا "القطاع" كما وصفه الرئيس عبد الفتاح السيسى على الاستمرار دون انقلاب.
أقصد بكلمة انقلاب ، تلك الحالة المزاجية المتقلبة والصراع الداخلى لدى جموع من يعملون فى مهنة الاعلام سواء المقروءة او المسموعة أو المرئية ، فالمزاج الصحفى والاعلامى هو الوحيد الملتصق بهموم والام واحزان الناس .. المزاج الصحفى هو الملم بدقائق الامور وتفاصيل وحقيقة الازمات ، ولم يكن عبر تاريخه جاهلاً كما وصفه الرئيس ، بل على العكس تماما ،فمعظم مؤسسات الدولة تسير خلف مخططاته وتوجيهاته ، للدرجة التى تجعلك تندهش حينما تجد وزيرا او مسئولا تفاجئه الكوارث داخل وزارته او مؤسسته من صفحات الجرائد والبوابات الاخبارية وشاشات الفضائيات ،للدرجة أيضا التى جعلت بعض المؤسسات والهيئات وكذلك الأفراد يضعون نصب أعينهم ردة الفعل الإعلامية والصحفية قبل اتخاذ القرارات.
من هنا بدا الصحفيون والاعلاميون أقرب الناس للرجوع للحق ، وأشدهم معارضة بعد الموائمة ، لقدرتهم على التمييز بين الصح والخطأ والحقيقى والزائف ،فهم أول من نسفوا تلك المشاريع التى داعبت أحلام البسطاء والمرضى ، تلك المشاريع المكتوبة على أوراق الوهم والخيال والزيف والجهل واستعصى تطبيقها فى الواقع بل وفشلت قبل أن تدخل حيز التنفيذ " وهم من كشفوا رغم تضحيات رجال الشرطة الشباب ، استمرار هذا القطاع فى تجاوزاته بحق المواطنين رغم الثورات الماضية وربما القادمة ، وهم من رفضوا بشكل او بآخر رغبات النظام فى ادماج فسدة الحزب الوطنى فى الحياة السياسية ، وهم أيضا الذين وضعوا أكفانهم بين أيديهم عندما حاربوا بشراسة وضراوة مطامع الإخوان فى الهيمنة وتهميش الحياة السياسية واختصارها فى فكرتهم وقواعدهم ، هم الذين كشفوا وما زالوا تلك الرموز المحنطة التى خربت عقول الشباب (ليبرالية كانت أو اسلامية) وهم الذين فضحوا القدرات العقيمة والفكر الادارى المشلول لهؤلاء المسئولين الذين تولوا أكثر من أربع وزارات تم تشكيلها من قبل ، وهم الذين يصرخون الىن من التضييق والعبث والتشويه والاستخفاف ، بعد ان تحول الرعاع إلى سادة يعيثون فى الارض فساداً،هم أيضا من وقفوا بكل ما اتو من قوة واقلام وشاشات وميكرفونات مع الدولة حين واجهت الاضطراب والاعتداءات وعمليات التخريب ،املا فى الاستقرار ورغبة فى الخروج من النفق المظلم والذى سرعان ما اكتشفوا انه ليس نفقاً، بل بئرا سحيقا مظلما ليس له آخر .
ذلك "القطاع" الكبير الذى أشار له الرئيس بأنه يعانى مثل باقى القطاعات من كارثة ، يحمل داخله بركاناً صامتا يوشك على الانفجار بعد أن لمس وعايش الانهيار والخراب داخل المجتمع وهو ينخر كالسوس فيما بقى من هذا البلد .. اكتشف انه غير راضى وغير موافق بالمرة بأن يكون طرفا فى صراع لا يخدم الوطن ، وصل لقناعة كاملة بأن مهنته تحيطها الشبهات وتحاك حولها المؤامرات ، وأن قلمه الذى يكتب يستخدمه الغير لتحقيق مصالحه ومكاسبه على حساب قلب وعقل وقوت هذا الشعب المطحون.
ثورته الصامته بدت الان واضحة خلال اللقاءات والاجتماعات وعلى صفحات مواقع التواصل الاجتماعى ، بعيدا عن المؤسسات خوفا أو حرصا على عدم دفع فواتير الاقصاء والعقاب جزاءا للآراء ،الآن فقط يبدوا ان الضمير وحده هو الذى يحاول إصلاح المسار ،التى عجزت قوانين الاعلام ونقابة الصحفيين على إصلاحها .. وحدها المواقف والظلم والقسوة ، والتشويه والتطبيل والنفاق والاقصاء وتزييف الحقائق ، هى التى أيقظت هذا الضمير الذى بدا يعلو صوته داخل هذا "القطاع" العريض الذى طالما حاول كل فصيل الهيمنة عليه لاستخدامه لصالحه .
ننتظر جميعا صداما حتميا قريبا وفتنة كبيرة ، سيخرج منها سليما معافى من سلم لسانه وسلم قلمه من التزييف والترويع والنفاق والتضليل ، فلا شيئ باق ولا دائم سوى وجه الله ، والتغيير هو سنة الله فى كونه ، فلنعمل لهذه الفتنة قبل ان نندم ،ننحاز للصدق والحق والعدل ورفض الظلم دون الانتصار لفصيل على حساب آخر ، نتذكر دائما أننا مع الناس نراقب لتحقيق مصالحهم ورقيهم وتحسين ظروفهم ،نضع جانبا مصالحنا ومكاسبنا ومخاوفنا وحساباتنا المعقدة قبل فوات الآوان.. اعتقد أن عقل ووعى المصريين لن يتحمل مرة أخرى قبول هذه الوجوه المزيفة والبطولات الزائفة.