عصام نبوى يكتب..الأسد الجريح
بقلم- عصام نبوىميدانييخطئ من لا يعترف بأن الأزمة الأخيرة بين الصحفيين والدولة جاءت بأسوأ النتائج التي شهدتها المهنة خلال الخمسين عامًا الأخيرة، ليس على مستوى الحدث الأخير والخلاف المشكوك فى أمره بين الداخلية والنقابة ومسألة التعدي والتفتيش والضبط والإحضار من داخل هذه المؤسسة العريقة، ولكن على مستوى ما ظهر خلال الأزمة من فظائع صدمتنا جميعا وصدمت جيلًا بأكمله .. فظائع ارتكبها متحجرون قليلو الخبرة، ذوى أفق ضيق لا يجيدون أبسط قواعد الاحتواء لبني جلدتهم، قبل مواجهة خارسي الألسنة وكاسري الأقلام ومجهضي الحرية، وفظائع ارتكبها عواجيز فشلوا تماما بأن يكونوا قدوة ومحرابا وجنرالات بحق، يحافظون على مكتسبات هذه المهنة، هؤلاء الذين قفزوا على أسد جريح مثخم بالجراح، وشاركوا مع سبق الإصرار والترصد فى محاولات الإجهاز عليه، بتشويهه تارة وبالالتفاف عليه وتقليم أظافره تارة أخرى، هؤلاء الذين صمتوا وخرست ألسنتهم وهم يشاهدون هذا الصرح العظيم الذى شارك فى كشف أبشع الجرائم والتجاوزات وفتح أخطر ملفات النهب والفساد، يتحول فى نظر أجهزة الدولة الأمنية وصناع القرار لفئة خطرة على الأمن القومى، سمحوا بكل صلف وخنوع بأن تتحول نقابتهم التى استوعبت الجميع وناصرت كل مظلوم وتصدت للطغيان، يوم أن هرب الجميع فى نظر الناس لمأوى للمطلوبين أمنيا، وأعضائها مسيسين يحملون الأيدلوجيات الهدامة التى تعرقل مسيرة الاستقرار والتقدم والتنمية.
يا سادة هؤلاء ارتكبوا فى حق المهنة جرائم أشد من جريمة اقتحام الجهات الأمنية لمبنى النقابة، فحتى لو تم إغلاق ملف الأزمة التي فى طريقها للاحتواء، بعد أن أتت على الأخضر واليابس، لأن صانع القرار بالفعل جهز بدائله ووضع حلوله الحاسمة لإسكات الجميع، لأنه الآن أصبح على قناعة تامة بأن الإعلام فى مجمله هو أكبر تهديد للاستقرار والاستمرار، فمن الواجب أن يظل ملف هذه الفئة مفتوحًا حتى يتم القصاص لهذا الأسد الجريح الذى تكالب عليه متآمرين ومغيبين وأصحاب المصالح الذين لم نعهدهم خلال مسيرة عملنا إلا وهم "ممسكون بالعصا من المنتصف" أملا فى الوصول لأهداف ومآرب على جثة أهم مؤسسات الحرية والديمقراطية فى كل بلاد العالم . حتى لو اتفقنا جميعا بأن هناك أخطاءً قام بها البعض داخل مجلس النقابة خلال التعاطى مع تلك القضية الحساسة لكن هناك حقيقة واضحة لا لبث فيها، من يتغاضى عنها فقد غشي بصره وتلوث قلبه بما تعجز الأنهار عن تطهيره وهى أن هناك حدثًا جللًا قد حدث، مشهد سيظل التاريخ يطاردنا بعاره على مر الأجيال.. إنه أكبر محاولة عبر تاريخ العمل الصحفى حاول فيه النظام أن يستأسد على قلعة الحريات، مستغلا أخطاءً هشة تعانيها كل المؤسسات المصرية عبر القائمين عليها .. فظهر للعيان أن المحاولة ما هى إلا ضربة قاضية ستتبعها ضربات بتجنيد كل وسائل الإعلام بالترغيب عبر المال السياسى أو الترهيب للمؤسسة التى ما زالت تنبض بالحيوية والحرية والحركة داخل دولة تتعامل الآن بالحديد والنار ولا تقبل غير نقيضين لا خيار بينهما "معنا أم علينا " فكان لابد من معركة، وإن بدت منطلقاتها موصومة بالعدل والقانون ولكن باطنها التركيع والإذلال والتهميش، من أجل كسر إرادة حرة وآخر قلاع وحوائط الصد خلال معركة الحكم الواحد والقرار الواحد والجبهة الواحد.
يا سادة لقد وصل بنا الحال ونحن أولى قوة القلم والكلمة بأن ننتظر تلميحًا من الرئيس أو همسًا من الحكومة والبرلمان حول الأزمة فنسارع مهرولين لكتابة البيانات المرحبة والداعمة متناسين تماما أن هناك ما هو أخطر من الأزمة وهى تلك الحالة الانقسامية التى فاجأتنا جميعا والخطوات المتسارعة من الدولة للهيمنة على الإعلام والقلم عبر رجال دولتهم، فتلك المهنة التي استعصت على كبار المستبدين عبر العصور هى الآن فى أيدي عتاولة السياسة كالكرة يتلاعبون بها كيفما شاءوا.
يا سادة لقد فشلنا فشلًا ذريعًا فى أول معارك النفس الطويل، وأصبحت قضيتنا موصومة بالعند والكبر والغطرسة، وأضحى الصحفيون فئة لا تبحث سوى عن مصالحها، في الوقت الذي توحشت فيه مؤسسات أخرى وأفراد داخل الدولة وهيمنت أركانها على كل مكتسبات السلطة والرقابة والإعلام.
يا سادة لقد فشلنا فى إدارة الأزمة وتركنا لأقلامنا العنان للتعبير عبر صفحات الفيس بوك ووسائل التواصل الاجتماعى، بعد أن عجزنا عن توحيد صفوفنا لأننا تركنا من شقوا وحدتنا وطعنوا فى ذممنا بلا حساب أو ردع فكانت سهامهم لنا أقوى وأنكى من كل من حاولوا استهداف أقلامنا.
يا سادة لقد تفرقنا لأن مصالح بعضنا تعارضت مع وقفة الحق والهيبة والإجلال لمهنة كانت ولاتزال صوت المستضعفين والمقهورين والجوعى والمطحونين فى بلاد دهست بأقدامها طبقة كادحة لتعلو وتقوى طبقة لا تشبع ولا تهدأ أبدًا، فتوحشت ونجحت فى قتل أحلام من يأملون التغيير وتبديل الحال، فعادت الواسطة والمحسوبية والجاسوسية لأبشع ما شهدنا خلال العصر البائد.
إني على يقين بأن هناك من لا يريد تفريق وحدتنا وتشويه مهنتنا فقط ليكون هناك صوتًا واحدًا وقلمًا واحدًا ورأيًا واحدًا، بل هناك من يصر على تصنيفنا لنكون مثل غيرنا أحزابًا وشيعًا منا الحالم بالسلطة الراغب فى مطامعها ومنا الناقم المعادى لبلاده رافعًا راية الرفض والعصيان الدائم، الراغب فى إسقاطها يحاولون تصويرنا وكأننا جنودا لمن أذاقوا الشعب ويلات الظلم وقسموه إسلاميًا وليبراليًا، عشقا في السلطة والسلطان على جسد بلد مريض يموت فلاحوه وينتحر عماله ويضيع شبابه فى غياهب ومتاهات الجنون والضياع وفقدان الثقة والإحباط.
أنا وغيري من أبناء جيلي كرهوا الخنوع والمصلحة والضعف والهوان والتبعية، رفضوا وكفروا بكل التهديدات عبر مصطلحات التصنيف والأيدلوجية ... أنا وغيري من أبناء جيلي ننتظر هذه اللحظة التي ستسقط فيها باقي الأقنعة التي سقطت مقدماتها بالفعل أنا وغيري نستعصى بالإرادة والإيمان على من يريدون طمث هويتنا كجنود للقلم ومنبر للحق والحرية .. قولوا معي اللهم خلصنا ممن يتآمرون على أحلامنا وأحلام أبنائنا.