بعد رحيله.. كيف قيّم النقاد تجربة جورج سيدهم الفنية؟
ميدانيرحل عن عالمنا اليوم وجه من وجوه الكوميديا في مصر، ربما لم يخرج فيلما ليحمل اسمه على رأس أبطاله، أو مسرحية تعلن أنه بطلها الأول، ولكن هناك عدد كبير من الأعمال إن لم يكن يوجد فيها جورج سيدهم كانت ستفقد جزء هام من أهميتها وروح الكوميديا فيها.
جورج سيدهم الذي فارق دنيانا عن عمر 82 عام، داخل إحدى مستشفيات مصر الجديدة، هو من مواليد إحدى مدن الصعيد، مدينة جرجا في محافظة سوهاج عام 1938، والتحق بكلية الزراعة جامعة عين شمس، ليتخرج منها في عام 1961، ومن فرق المسرح الجامعي إلى فرق التليفزيون، وفرقة ثلاثي أضواء المسرح التي حصلت على شهرة كبيرة، وجعلت من نجومها الثلاثة رمانة ميزان الكوميديا والمرح لأي عمل يشاركون فيه خلال هذه الفترة، مما دفع المخرجين للاستعانة بهم في أفلام كثيرة خلال فترة الستينيات.
وبلغ رصيده جورج الفني حوالي 134 عمل متنوع خلال رحلة فنية طويلة، لذلك نحاول خلال السطور التالية إلقاء الضوء على بعض من كتابات النقاد عن الفنان الراحل...
في كتاب المضحكون الصادر عام 1971 والذي خصصه الناقد محمود السعدني لتحليل شخصيات الفنانين الكوميدين، في فترة الستينيات، يقول في البداية: "كان اسكتش دكتور الحقني هو أول عمل فني للثلاثي ونال شهرة كبيرة ولم يلبس الثلاثي أن أصبح مادة مقروءة في التلفزيون.. ولم ينجح الثلاثي بالهبلولي ولكنه نجح بالعمل والدأب والإلحاح على العيون والمستمعين، ولأنه توافرت فيه عناصر فنية لم يستطع (دكتور إلحقني) الكشف عناه في البداية ولكن الرحلة الطويلة التي قطعها الثلاثي كانت كفيلة بالكشف عن هذه العناصر وبروزتها وتدشينها أيضاً كلون من ألوان الفكاهة المصرية".
وعن جورج سيدهم قال السعدني: "أما عن الموهبة الثانية في الثلاثي هذا الولد السمين جورج إنه الممثل وهو موهبة في هذا المجال وله باع طويل وهو نوع نادر بين الممثلين وعينة لطراز عظيم نموذج جيد للغاية، جزء من شارزل لو تون وعبدالغني قمر وصلاح منصور، إنه خليط ممزوج، وهو يستطيع الآن أن يغير مساره وأن يتجه بموهبته وبمفرده نحو ميدان آخر، لو صادفه مخرج فاهم وسيناريو جيد ورواية حقيقية لشق طريقه إلى القمة بسهولة، إنه صاحب موهبة نادرة تؤدي أي دور بسهولة ولكنه السهل الممتنع".
وتنبأ الكاتب محمود السعدني لجورج بالإنطفاء السريع بعد سنوات، إذا لم يفكر بطريقة مختلفة وإذا استمر في هذا الطريق، "طريق الهز وترقيص الحواجب والبطن"، على حد وصف الكاتب، وبرر ذلك قائلاً: "إن السادة الأجاهل بتوع السينما على وزن الأفاضل سيصرون على اعتصاره هكذا كما ظهر وحرام أن تضيع موهبة عظيمة مثل موهبة جورج، وحرام أكثر أن يبدد هو موهبته في فن الجوق لأنه وحده يستطيع أن يكون جوقة كاملة"، والجوقة هي الكورس الغنائي في المسرح اليوناني القديم.
وكان جورج بدأ مشواره الفني موظفاً في فرق التليفزيون المسرحية التي تكونت مع بدء الإرسال التلفزيوني في مصر أوائل الستينيات، ثم تكونت فرقة ثلاثي أضواء المسرح التي كونها المخرج التلفزيوني الراحل محمد سالم، وضمت جورج والضيف أحمد وعادل نصيب، الذي سرعان ما هجر الفرقة وانضم لها سمير غانم، ومن التليفزيون انتقل نشاط الفرقة إلى المسرح، وقدموا عدداً من المسرحيات الشهيرة، مثل موسيقى في الحي الشرقي، ولوكاندة الأشغال الشاقة، والمتزوجون التي قدمت بعد وفاة الضيف أحمد.
أما الناقد محمود عبدالشكور في كتابه "وجوه لا تنسى"، وصفه في معرض حديثه عنه بأنه الطالب الصلب الذي كسر قاعدة أرشميدس، وقال: "أحد أظرف الكوميديانات البدناء في السينما والمسرح، حضور وغناء ورقص وقدرة على أن يترك بصمة وعلامة في مشهد واحد، وأحد أعمدة فرقة الثلاثي سواء قبل أو بعد وفاة الضيف أحمد... وجورج أقرب إلى الصخرة الصلبة التي تتكسر فوقها موجات الصخب القادمة من سمير والضيف".
وأكمل: " قدم جورج عروضا بارعة لاتنسى على المسرح فى حواديت وطبيخ الملايكة، وعزف مع سمير مشاهد أصبحت من أبرز لحظات الضحك فى المسرح المصرى فى جوليو وروميت وموسيقى فى الحى الشرقى والمتزوجون وأهلا يادكتور، كان يفرش الإفيهات لزمايله بلا عقد أو أنانية رغم تماثل أدوارهما من حيث المساحة، قدم جورج بمفرده مسرحيات كانت أقل بكثير من تجربته مع سمير، ولكنى أبدا لم أجادل فى موهبة جورج وقدراته العظيمة، انظر الى مشهده فى فيلم معبودة الجماهير وهو يؤدى مشهدا للحب أمام شادية بطريقة توقعك من الضحك".