كيف أصبحت تايوان نموذج مثالي للتعامل مع فيروس كورونا؟
ميدانيفي ظل الأزمة التي تعاني منها معظم دول العالم، جراء تفشي فيروس كورونا على أراضيها، الذي يحصد أرواح مواطنيها ويسقط الباقي مصابا، وسط انتقادات وجهت لبعضها بالتأخر في اتخاذ الإجراءات لمواجهة الوباء، كما حدث في بريطانيا وأمريكا وإيطاليا، كانت تايوان الدولة التي استطاعت التعامل مع الفيروس القاتل بنجاح واحترافية، حتى أصبحت نموذجا يحتذى به عالميا.
فوفقا لشبكة "سي إن إن" الأمريكية، يرى العلماء والخبراء أن تايوان دليل حي للنجاح في السيطرة على انتشار فيروس كورونا، الذي احتاج الدول وأصاب فوق المليون شخص وأودى بحياة الآلاف، بالرغم من أنها ليست عضوًا في منظمة الصحة العالمية، موضحين أن إجراءات السلطات التايوانية أكدت أن السيطرة على المرض يمكن تحقيقها من خلال العلم والتكنولوجيا والحكم الديمقراطي، دون اللجوء لاتخاذ أي إجراءات استبدادية أو قاسية بحق المواطنين.
ولكن.. كيف أصبحت تايوان النموذج المثالي للتعامل مع فيروس كورونا؟
تايوان، التي تضررت بشدة من وباء السارس عام 2003، فأودى بحياة 73 تايوانيا وأصاب 346 آخرين، اتخذت استعدادات جادة لمواجهة أي وباء يطولها في المستقبل، لذلك أصبحت الدولة متأهبة بمجرد الإبلاغ عن أول حالة إصابة بالالتهاب الرئوي الغامض في مدينة ووهان الصينية، القريبة منها، في 20 يناير الماضي، وحتى قبل اكتشاف فيروس كورونا المستجد.
- إجراءات وقائية سريعة
فسرعان ما أنشأت تايوان مركز القيادة والتحكم في الفيروسات، المتكون من خبراء الطب والصحة العامة، ويترأسه الدكتور تشين شين جين، عالم الفيروسات، الذي يحظى باحترام كبير في البلاد، ليسرع المركز باتخاذ الإجراءات الوقائية والاحترازية في بدايات انتشار الفيروس، ففي 25 يناير الماضي، كان إجراءات تايوان تسبق الصين نفسها، بؤرة تفشي المرض، إذ بدأت السلطات التايوانية في المراقبة وتتبع الاتصال لمن يشتبه في إصابته، فضلا عن تطبيق العزل والحجر الصحي على الفور، وفقا لمجلة "ذا ديبلوميت" الإخبارية الدولية.
لذلك، تمكنت تايوان من الحفاظ على البلاد، بعدد قليل جدا من حالات الإصابة بفيروس كورونا القادمين من الخارج، من خلال تدابير الصحة العامة والإجراءات الوقائية المكثفة، ومع ذلك، لم تضطر تايوان لتنفيذ الحظر أو الإغلاق كما حدث في معظم بلدان العالم، فلم تغلق المسارح ولا المتاجر، ولم تضطر لتأجيل الدراسة أو تعليق المدارس، على الرغم من أن التجمعات الكبيرة محظورة.
- حجر صحي.. ومراقبة المعزولين
وفي مارس الماضي، شهدت تايوان موجة من الحالات المصابة بالفيروس، معظمها للطلاب أو المغتربين العائدين من أوروبا وأمريكا الشمالية، لتبدأ في تنفيذ الحجر الصحي على المصابين والمخالطين لهم بشكل موسع، واليوم يخضع أكثر من 80 ألف مواطن تايواني من المصابين والمخالطين وغيرهم تحت العزلة والمراقبة، يتم رصدهم بفحص درجة الحرارة والأعراض يوميا، والتي يتم تتبعها عبر الهاتف.
وتنتهج تايوان السياسة، الذي اتبعتها فيها بريطانيا وغيرها من الدول، بمراقبة المواطنين المعزولين، عبر الهاتف المحمول، فإذا كانت بيانات تحديد الموقع (GPS) من هاتف الشخص المعزول تشير إلى الحركة خارج النطاق المخصص له -وعادة ما يكون منزله- فيتم إبلاغ السلطات في الحال، التي سرعان ما تتواصل أتوماتيكيا، عبر إجراء مكالمة هاتفية مع الشخص المعزول.
- إجراء المسح الطبي
كانت تايوان أول الدول التي بدأت بإجراء اختبارات الفيروس وعمل مسح على معظم المناطق المعرضة للإصابة، في يناير الماضي، فأجريت الاختبارات في البداية على الأشخاص العائدين من المناطق الموبؤءة، أو المرضى الذين يعانون من بعض الأعراض، والمخالطين للمسافرين، وعندما زادت أعداد الإصابات في البلدان الآسيوية المجاورة لها، قامت السلطات الصحية في البلاد، بإجراء فحص بأثر رجعي للمرضى، الذين تم الإبلاغ عن إصابتهم بأنفلونزا شديدة، من سجلات المستشفيات.
- متابعة تطورات الوباء
ومع اكتشاف أعراض جدية للفيروس، سرعان ما يعدل مركز القيادة والتحكم في الفيروسات، معايير الوقاية والاختبارات بناءً على تطور الوباء، ففي الآونة الأخيرة، بات اختبارات الفيروس تسري على أي مريض يبلغ عن فقدان حاسة الشم أو التذوق.
لذلك، وبالرغم من أن تايوان تعد البلد الأقرب للصين، بل وكانت جزءا لا يتجزأ منها حتى عام 1949، لم تسجل سوى 373 حالة إصابة، معظمهم قادمين من الخارج، وفقط 7% منهم يعانون من الالتهاب الرئوي.
- تشديد الإجراءات الوقائية أولا بأول
وتعمل الحكومة التايوانية على تكثيف الإجراءات أولا بأول، فبالإضافة إلى العزل المنزلي المطبق علي المواطنين، وإرشادات الابتعاد لأكثر من متر في الأماكن العامة، فاعتبارًا من 1 أبريل الجاري، أصبحت أقنعة الوجه إلزامية عند استخدام وسائل النقل العام.
وتوفر الحكومة الاحتياطيات من المستلزمات الطبية في البلاد، فمنذ شهر يناير الماضي، اتخذت السلطات التايوانية قرارا بتكثيف إنتاج كمامات الوجه والإمدادات الطبية، بالإضافة إلى معدات الحماية الشخصية الأخرى، ووضعت الحكومة خطط متطورة، لفرز المرضى في المستشفيات، للاستفادة بشكل أفضل من الغرف، استعدادًا لأي زيادة في عدد المصابين بالفيروس.