في ذكرى ميلاده.. كيف رسم غسان كنفاني الشخصية الفلسطينية في رواياته؟
ميدانيفي 9 أبريل عام 1936، ولد الكاتب الفلسطيني الشهير غسان كنفاني، في مدينة عكا لأسرة فلسطينية، إلا أن أسرته تنتمي لمدينة يافا، وهي المدينة التي عاش فيها، وأثناء قضاء أسرته عطلتهم الإسبوعية ولد غسان، وفي عام 1947 تركت الأسرة منزلها في حي المنشية، لكثرة الاشتباكات بين العرب واليهود في تلك المنطقة، وغادروا إلى عكا، وذلك ساهم في مشاهدته لأغلب التجاوزات التي وقعت من اليهود على المدينة، ولم تتوقف معاناة عائلته في الترحال، وظلوا يتنقلوا لمدن مختلفة إلى أن استقر بهم الحال في دمشق السورية.
وفي ذكرى ميلاد الروائي غسان كنفاني، نستعرض بعض الكتابات التي تناولتها دراسات بحثية عن أدبه وخصائصه، ومنها "الشخصية الفلسطينية" و"الأم" في رواياته.
في دراسة أجرتها إحدى الباحثات بجامعة القادسية، هيام عبدالكاظم إبراهيم، عن الشخصية الفلسطينية في أدب غسان كنفاني، قالت في مقدمتها :"تعد الشخصية عنصراً هاماً من عناصر النص القصصي وكذلك الروائي ودراسة الشخصية منفردة والاعتناء بفاعليتها في النص لا يعني عزلها عن سائر المكونات الأخرى للنص، بل الغرض التعمق، ودراسة فاعلية الشخصيات وعالمها الخارجي والداخلي والنفسي في نصوص كنفاني وأدبه وهو يواجه كل المحاولات الصهيونية لسحق الشخصية العربية".
وقسمت الباحثة شخصيات غسان كنفاني في روايته، وذكرت نموذج دال على كل شخصية، فكانت الشخصية لفدائية في قصة "إلى أن نعود"، والشخصية المتمردة في رواية "ما تبقى لكم" وهي شخصية عبرت عن تمرد الفرد لفلسطيني الذي يصارع الاحتلال ومعبر عن حالة النهوض الثوري للشعب بعد النكسة، شخصية العاشق في رواية حملت نفس الاسم، الشخصية الفلسطينية المدانة وقدمها في رواية عائد إلى حيفا، وهذه الشخصية مدانة بسبب موقفه السلبي من القضية الفلسطينية كونه لم يحسم موقفه منذ بدء لاحتلال واختار اللامواجهة، وشخصية الخائن، وقدمها ضمن شخصياته ذات الطابع السلبي المعادٍ للقضية الفلسطينية، وكانت شخصيات هامشية واكتفى بتصوير تفكيرها العدائي.
وكما كان للرجال نصيباً في رواياته، كان للمرأة أيضاً، حيث صورت قصة حياة المرأة الفلسطينية على وفق رؤية واعية فكانت تكابد الأحزان والكوارث وفقدان الأرض والأب والأخ والزوج والأبناء، ومن النماذج التي قدمها، الشخصية الفدائية، والمقاوِمَة.
وذكرت الباحثة أن الشخصية في نص غسان لم تكن في مستوى واحد، بسبب انفتاح النص على المجتمع بفئاته كافة، لذلك نجد فيها تنوعاً في الشخصيات التي تتمثل في المثقفين والمناضلين والفدائيين وشخصيات فئة البسطاء المشردة، كما أنه قدم الشخصية الفلسطينية الفاعلة التي تعشق الأرض حد الشهدة، كما أن أغلب الشخصيات التي قدمها تعاني الوحدة في أقصى حالاتها، وهذه الغربة/الوحدة جاءت نتيجة للاضطهاد فكانت شديدة الاتصال بغربة لكاتب.
وقدم كنفاني شخصية الأم الفلسطينية، ورسم بطولة نسوية مفردة ذات ملامح جماعية ثورية، تمثلت في شخصية "أم سعد" وهي إمرأة مناضلة تمثل طبقة فقيرة من الشعصب الفلسطيني، وهذه الشخصية تجسيد للمرأة التي تشعر بمرارة الهزيمة وترفض الذل واللجوء، وقد أفرد الكاتب الفلسطيني أدهم شرقاوي، كتاباً بحث فيه شخصية الأم في أدب كنفاني، وحلل شخصية "أم سعد" في رواية حملت نفس الاسم.
وقال شرقاوي: "بكل الأحوال لقد رأينا غسان كنفاني يدخل عالم الأم، يصف لنا بناءها النفسي ومشاعرها، مع الزوج والأولاد، كما أنه بين لنا أنه كان لصيقاً بعالم النساء عموماً والأمهات خصوصاً، ويعرف أكثر بكثير من المعرفة السطحية، كما أنه عرض لنا للأم حين تكون مجبرة على الاختيار بين أمومتها وأنوثتها، فتختار أن تكون أماً كما عرض لنا للصداقة بين الأم وأولادها، تلك الحميمية التي تنادي بها التربية الحديثة، كانت إحدى رؤى غسان، وأبرزها في شخصية أم سعد المرأة الأمية التي لم تعرف الكتابة ولا القراءة".
وأضاف: "دخل بنا غسان إلى عالم النساء وحدثنا عن بنائهن النفسي، وكيف يشعرن فلا يكتفي بوصفهن جسمانياً ولكنه يعرف خبايا الأمهات ويصور باقتدار علاقة الأم بالأب تحت سقف الزوجية وعلاقة الأم بالأبناء، كما تناول جرأة وفدائية شخصية الأم وعن الثورة عندما تكون جزءا منه تجري فيها مجرى الدم من العروق، وأرانا كيف تضحي بأولادها وهم أعز ما تملك في سبيل ما تؤمن، ثم تعرض لعالم الأمهات العاملات ومعاناتها وأحاسيسها".
فلم يكن غسان بعيداً عن عالم الأمهات كتب لهن وعنهن بقلم القريب منهن، وكان لصيقاً بحياتهن اليومية، على عكس ما أشيع عنه، ويظهر ذلك في روايات "برقوق النسيان" و"ما تبقى لكم"، وكانت البطولة المطلقة للمرأة في رواياته في ما يقرب نصفها، والرواية الوحيدة التي كانت فيها البطولة المطلقة للرجل "رجال في الشمس"، وتقاسم الرجل والمرأة في ما تبقى من أعماله الروائية.