هناء شلتوت تكتب ”متدين بطبعه”.. قراءة بحثية حول الصور النمطية عن النساء في المجتمعات العربية
هناء شلتوتميدانيإن شئت صنف شعوب العالم العربي كما تشاء نظرا لاختلاف بعض الدول عن بعضها في العادات والتقاليد، ولكن إن شئت أن تفصلها عن تصنيف كل ما يحيط بالنساء من أزمات ومشكلات مجتمعية فلن تستطيع معي صبرا.
فلا أخفيكم سرا أن أزمات التمييز ضد النوع الاجتماعي باتت تلاحق نساء وفتيات المجتمعات العربية من المهد إلي اللحد، ولا أبالغ إن قلت أن التمييز ضد النساء ضارب في القدم منذ عصور ما قبل التاريخ، في حين يوصف مجتمعنا العربي طيلة الوقت بـ"المجتمع المتدين بطبعه" رغم وجود الكثير من العادات النمطية في المجتمع التي تميز بين المرأة والرجل على أساس الوظيفة والحالة الاجتماعية، وكذلك امتد الأمر لعادات مجتمعية لدرجه اعتقاد الأجيال الصاعدة أنها أساس الدين وهى بعيده كل البعد عنه، وبات الأمر في أمس الحاجة إلى منطقة يلتقى فيها الطرفان.
فللمرأة نصيب وافر من الإجحاف والتمييز، فهي التي أخرجت آدم من الجنة وجنت على البشرية جمعاء، بحسب المفهوم الديني الخاطئ ومنه أتى مثل "امرأة واحدة خربت الفردوس"، ولا يخفى على الجميع أن التشدد الديني والتطرف الفكري في تقييم الكثير من الأمور الخاصة بالمرأة تحت ستار الدين بالإباحة والمنع أو التحليل والتحريم، بات أمرا يشكل جرما من نوع أخر في حق المرأة العربية على عكس تعاليم الدين الذي لم يفرق بينها وبين الذكر في الحدود والحقوق والواجبات.
والمؤكد أن الزج بالدين خلف كل فعل مجرم وعادة من العادات النمطية أصبح محض افتراء وتجنى لا أكثر، فأين كانت الديانات بمفهومها السماوي في عصر المصريون القدماء التي ارتبطت الأديان لديهم ارتباطاً وثيقاً بعلم الفلك، كما نقل محتويات كتاب "نوت" الذي يعطي تصوراً مجملاً عن الديانة المصرية القديمة عبر العصور على مدى 3000 عام.
اقرأ أيضاً
- صندوق البحر الأحمر السينمائي يعلن فوز 36 فيلماً من المملكة والعالم العربي وأفريقيا بدعم الصندوق في مرحلتي الإنتاج وما بعد الإنتاج
- مركز الملك سلمان للإغاثة يدشن مشروع الدعم التغذوي للأطفال والنساء المصابين بسوء التغذية الحاد في باكستان
- اسرع و أمثل علاج لتساقط الشعر لدي النساء و الرجال
- ”أصواتهن للسلام” .. صدور أول كتاب لتفنيد الصور النمطية عن النساء باسم الدين باللغة العربية في مصر
- النساء اللواتى يلدن قبل الأوان معرضات بشكل كبير للوفاة المبكرة.. اعرف السبب
- بعد إصابة طبيب بكورونا.. غلق وحدة بمستشفى النساء بالدمرداش وتتبع حالات كشك الولادة
- بنما تخصص أياما لخروج النساء للشوارع وأخرى للرجال للسيطرة على كورونا
- مسئولون يكشفون حال العالم إذا حكمته النساء: هُن الأفضل وسيتحقق السلام
- «لو مهتم كنت عرفت».. طبيب نفسي يكشف سر تلك المقولة عند النساء
- العادات الصحية السليمة تزيد عمر النساء والرجال
- لماذا تعاني النساء من الصداع خلال الدورة الشهرية؟
- التحرش الجنسي: مؤسس كنيسة كاثوليكية متشددة تحرش بستين طفلا
التحرش الجنسي منذ وطأة التاريخ..
فعلى سبيل المثال لو تتبعنا أزمات النوع الاجتماعي منذ وطأة التاريخ لوجدنا أن ظاهرة التحرش تعود إلى سلوك أخلاقي بحت، فهناك العديد من الدراسات في علم المصريات أكدت أن عصر الفراعنة لم يشهد أي تسامح في سلوكيات المتحرشين، أو جرائم الاعتداء الجنسي، خاصةً أن المصريين القدماء كانوا يعتبرون الزنا في خارج نطاق الزواج أمراً غير مقبولا.
والغريب في الأمر أن التاريخ وثق أقدم واقعة تحرش في عهد الفراعنة سنة 1200 قبل الميلاد، وتحديدا في مدينة طيبة عاصمة مصر القديمة -وفقا لموقع كوارتز الأمريكي- والذى أكد أن هناك بردية فرعونية كشفت واقعة التحقيق مع أحد العمال فى المدينة، من الحرفيين المتخصصين في النقش على مقابر الفراعنة بسبب تحرشه بالفتيات، و أوضحت البردية أن عاملا مصريا كان يُدعى "بانيب"، تعرض للطرد من وظيفته بسبب فساده وتحرشه بالنساء بصورة لم يتم قبولها، وهذه البردية متواجدة الآن داخل المتحف البريطاني منذ أوائل القرن التاسع عشر، عندما أحضرها لهم عالم المصريات خنري سولت.
وهنا تنقلنا تلك الرواية التاريخية التي نقلها عالم المصريات "خنرى سولت" واصفا العامل المتحرش "بانيب" أنه كان أحد أمهر العمال وأكثرهم إنجازًا للأعمال في نحت المقابر، وكأن كل ذو وضع مهني أو اجتماعي معين منزه عن الهوى ولا يجب وصمه بما يقترف من أفعال خارج سياق الدين والاخلاق واللياقة!.
فمن السلوك المتدني ضد المرأة بداية من أمهر نحات للمقابر في مصر القديمة إلى سلوك "قاضي" يستدرج فتاة ويتناوب على اغتصابها مع صديقة "رجل الأعمال" لم تختلف وطأة التصنيف كثيرا فكيف تعي المجتمعات العربية جرم الفاعل في الوقت الذى تطالعهم فيه صفحات الجرائد بعنوان كهذا: "رغبة متوحشة تدمر مسيرة قاض"، " إحالة قاض ورجل أعمال للجنايات في واقعة اغتصاب حسناء مارينا"، تمييز فج على أساس الوظيفة والجنس والشكل، عانت ومازالت تعانى منه فتيات وسيدات المجتمعات الذكورية على مدار التاريخ، ففي تلك المجتمعات الذكر هو القاضي ورجل الأعمال أما الفتاة فهي "الحسناء" فحسب ولا يجب نعتها بأكثر من ذلك.
تمكين المرأة وأهمية فهم النصوص الشرعية..
ومع تطور المفاهيم التي شهدها العصر الحالي أصبحنا نسمع كثيرا عن مفهوم "تمكين المرأة" إلا أن هذا المفهوم أيضا لم يسلم من أذى المفاهيم الدينية المتشددة التي مازالت تعيق تمكين المرأة اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا ودراسيا أيضا، بدعوى تحريم الاختلاط والقوامة الشرعية والولاية، دون فهم جيد لمضمون تلك المفاهيم ومبتغاها، ومن ثم أصبحنا في حاجه إلى إعادة فهم نصوص الشريعة جيدا للنهوض بمستوى المرأة واعطائها حقوقها كما كفلها الشرع الشريف.
فلا شك أن تمكين المرأة يجب أن يسير جنبا إلى جنب مع تمكين الرجل لكونهما يشكلان نسيج المجتمعات، ولا يخفى علينا أن بعض بيئات العمل باتت غير آمنة للنساء ومازالت تحمل المزيد من التمييز ضدهن، فالمرأة صعب أن تصبح مديرة في بعض المؤسسات على الرغم من أن ذكاء الأنثى يضعها جيدا في مراكز صنع القرار، وكثيرا لا تعتمد بعض جهات العمل على المرأة إلا في حالات الدوام الجزئي في تفضيل صريح للرجل على المرأة في هذا الأمر بعيدا عن اعتبارات الكفاءة والخبرات الأكاديمية أحيانا، لذا تستحوذ المرأة على رقم كبير في نسبة البطالة بالوطن العربي، أما اذا تحدثنا عن تمكينها سياسيا فلا شك أن تعزيز المشاركة السياسية للمرأة يعكس وضعها الاجتماعي والاقتصادي في المجتمع وهو ما يعكس أيضا مسألة تمكينها في مجتمعها، ومع ذلك فمازلنا لا نرى نسبة مقاعد كبيرة للمرأة في المجالس النيابية أو الوزارات الحكومية.
وكما يقف البعض حجر عثرة في تمكين النساء سياسيا ووظيفيا، نجد أحجارا أخرى في طريق تمكينها اقتصاديا في أبسط الأمور وأقل الحقوق، مثل حرمان المرأة من حرية التصرف في ذمتها المالية، فتجد بعض الأزواج يتعاملون مع الذمة المالية لزوجاتهم باستباحة شديده فطالما أنها تعمل يفرض عليها التكفل معه بمصاريف المنزل بل أحيانا تتكفل النساء بالأمر كاملا في حين يرتكن الأزواج إلى مبررات واهيه لعدم العمل والتكاسل عن أدا دوره الطبيعي، وهنا يتعمد البعض حرمان المرأة من أمر منحها الدين حرية التصرف فيه بأن يمنعها من التصرف في مالها أو يأمرها بأن تتصرف فيه على وجه خاص على الرغم من أنه ليس له ولاية على مالها والله تعالى قال: « الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ» (النساء)، وهنا فضل الله تعالى الرجال على النساء في أمور، وفضل النساء على الرجال في أمور أخرى، حيث عقب المولى عزل وجل بـ "وبما أنفقوا" ليدل على أن النفقة حق من حقوق المرأة على زوجها، فيما يمنع البعض الأخر زوجاتهم من العمل ركونا إلى فتاوى متشددة تمنع اختلاط المرأة بالرجل، في حين أنا لنا في رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم نموذجا وقدوة حينما تزوج من السيدة خديجة بنت خويلد رضى الله عنها وكانت صاحبة حسب ونسب، وكانت أيضًا من أثرياء مكة، ولها تجارتها ومالها ولم نسمع قط عن حرمان الرسول لها من ذمتها المالية أو تجارتها.
على الجانب الأخر تجد بعض الأزواج يتعاملون مع الزوجة على أنها خادمة في بيتها فحسب، عليها السمع والطاعة وتنظيف المنزل والقيام بمهمات الطبخ والكنس وخلافة، في حين أن الفقهاء الأربعة أجمعوا أن خدمة المرأة في بيتها ليس واجبا عليها، كما أن الشرع الشريف لم يُوجب على المرأة خدمة زوجها إلَّا ما جرت به العادة في حدود طاقتها وبما لا يعود عليها بالضرر في دينها أو دنياها، أو يُفْسِد عليها مقصودها، وقد نَصَّ جمهور الفقهاء على أنَّه لا يجب علي المرأة شيءٌ من الخدمة إلَّا ما جرت العادة بقيامها به، وهو ما قاله العلامة الكاساني في "بدائع الصنائع" (4/24، ط. دار الكتب العلمية): «ولو جاء الزوج بطعام يحتاج إلى الطبخ والخبز فأبت المرأة الطبخ والخبز -يعني بأن تطبخ وتخبز- لا تُجْبَر على ذلك إن أبت، ويؤمر الزوج أن يأتي لها بطعام مهيأ»، و يا ليتهم يفقهون.
النمطية ضد المرأة بسبب حالتها الاجتماعية..
أزمات التمييز بين الرجل والمرأة لا تقف عند حدود التحرش والتصنيف على اعتبارات وظيفية وشكلية فحسب، فهناك من الصورة النمطية التي تعرضن لها نساء وفتيات المجتمعات العربية بسبب "الحالة الاجتماعية" لمجرد عادات وتقاليد بالية برئ منها دين الإسلام براءة الذئب من دم ابن يعقوب، فلا شك أن الإسلام كرم المرأة ومنحها حقوقها كامله وساوى بينها وبين الرجل في الحقوق والواجبات، إلا أن طريقة تعاطى المجتمع مع كل ما يخص المرأة بات يحمل المزيد من الاستفزاز والتجني.
فحدث ولا حرج عن تعاطى المجتمعات العربية مع "العزباء" و"المطلقة" وكذلك "الأرملة" التي عليها المكوث في المنزل منذ انتهاء مراسم الدفن حتى يشاء الله وتنتقل روحها إلى الرفيق الأعلى وبخاصة في المناطق الشعبية وقرى الريف، "فمن منزل الزوج للقبر" هكذا توصى الأسر العربية فتياتها عند الزواج في مخالفه صريحه للإرث الديني ووصايا الشرع الشريف، فبمجرد تفكير المطلقة أو الأرملة في الزواج مرة أخرى والخروج من دائرة التمييز الجندرى ضدها تقوم الدنيا ولا تقعد وكأنها تقترف جريمة يُعاقب عليها القانون والدين في ادعاء باطل وعادات اجتماعية ظالمة.
فالمطلقة في نظر هؤلاء هي "خرابة بيوت" لما تجلبه هذه الكلمة من "عار" لبعض السيدات، والعزباء هي "العانس" كما ينعتهن المجتمع الذكوري على الرغم من أن كلمة "عانس" تطلق على الذكر والأنثى في اللغة العربية، و"الأرملة" هي الأنثى التي تظل محاطة بالمحدقين والمراقبين لأنفاسها وأفعالها، ولا يأبه أحدهم أن يتدخل في حياتها بشكل سافر وملاحقتها متى شاء وكأنها مستباحة للجميع، فأذكر يوما قصة واقعية لإحدى زميلاتي العزيزات التي كان للقدر كلمته في استمرار زواجها الذى انتهى بوفاة الزوج بعد معاناه مع أحد الأورم الخبيثة -أعذنا الله وإياكم- والتي رغم معرفتي بها طيلة سنوات عمل جمعتنا إلا إنني فوجئت بها تروى لي ذات يوم قصة زواجها وكيف تبدلت حالتها الاجتماعية وأضحت أرملة بين عشية وضحاها، الأمر عند هذا السرد لا يبدو مدهشا فكثيرا ما نواجه مثل هذه المآسي في حياتنا العابرة، إلا إنني واجهت المأساة الأكبر عندما أخبرتني بإصرارها على إخفاء "حالتها الاجتماعية" طيلة حياتها عن دائرة معارفها الخارجة عن حدود العائلة حتى لا تصبح مطمعا لهذا وذاك!! بدت قصتها صادمة لي بعض الشيء، حتى تدبرت الأمر أيقنت أنها قد تكون على صواب رغم "قسوته" إلا أنه يبدو وكأنه "الصواب المر" في هذا المجتمع "المتدين بطبعة".
هل تبادر إلى أذهانكم أن من منحها القدر لقب "متزوجة" ومن عليها المجتمع بتمام نصف دينها كما يدعى البعض، قد هربت من أزمات التمييز؟!، بل خدعوك فقالوا "دي راحت بيت عدلها"، فمنذ توقيت دخولها إلى "بيت العدل" كما ينعته تراثنا البالي، تبدأ معاناة من نوع جديد وأسئلة من العيار الأكثر استفزازا، من الأم تارة والحماه تارة والعمه والخالة والجد والجدة والمعارف والأصدقاء تارة أخرى، فعلى الزوجة المسكينة منذ خروجها من قاعة الفرح الاستعداد لسيل الأسئلة الوجودية "الفخيمة" من نوعية: "مفيش حاجه في السكة" -كناية عن الحمل-، وإذا مَن الله عليها بالذرية الصالحة يأخذ السؤال شكل أخر: "مش ها تخاويه"، أما إذا أنجبت "أنثي" فستتحول حياتها إلى جحيم حتى تنجب الذكر وكأن الأمر بيدها لا بيد خالقها وخالقهم، أما من لم يحالفها القدر بالقدرة على الانجاب فستُنعت بـ"العاقر" أو "الأرض البور" حتى الممات، فقد تغافل الخلق أو تناسوا قول الخالق عز وجل في كتابه العزيز: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ } [ الشورى 49-50].
التطرف العاطفي..
التطرف العاطفي أيضا يأتي ضمن أسباب أزمات النوع الاجتماعي، حيث لا تلقى مشاعر الأنثى الجارفة تجاه الرجل استحسانه بعض الأوقات، ولو تناولنا بعض الأمثلة عن التطرف بين أقصى الأنثوية وأقصى الذكورية فقد نقلت لنا بعض القصص الصحفية حكاية واقعية شهدت وقائعها إحدى بلدان الرومانسية، فتحت عنوان "من مُبادرة رومانسية لمأساة" تناولت الصحف حكاية الفتاة التركية الجميلة "رقية" 23 سنة، التي حاولت إيقاظ زوجها من النوم محضره له باقة من وجبات الإفطار، فاستنكر زوجها محاولاتها لإيقاظه فقرر الانتقام بصبه للماء المغلي على ظهرها مما تسبب لها بحروق خطيرة، ويذكر أن طفلتهم الرضيعة أيضًا أصيبت ببعض الحروق، وتلكم مأساة أخرى من مأسي العنف الزوجي، فعلى الرجل أن يكرم المرأة باحترام مشاعرها الطيبة تجاهه وهذا أضعف الإيمان.
ولا ريب أن سعادة النساء هي انعكاس طبيعي لصحة علاقاتهن بالمجتمع سواء كانت علاقة زوجيه أو أخوية أو أسرية، فنمطية التعبير عن المشاعر أيضا عليها عبئ كبير في الأزمة، فالصور النمطية لم تتوقف عند الناس في سمات ومجالات معينه، فالجفاف العاطفي والتعبير عن المشاعر صنع أيضا صورة نمطية أخرى، حيث يتم تربية الذكور منذ الصغر على عدم التعبير عن مشاعرهم أو البكاء تحت دعوى "أنت رجل والرجل لا يبكي" ومن ثم إذا بكى أو احتضن أمه أو عبر عن مشاعره تجاه زوجته يفقد إحدى سمات رجولته!.
ومن هنا يأتي دور الأسرة في إعادة تشكيل وعى الفتيات والذكور وعدم حصرهم في نمط حياتي معين، وعندما نذكر الأسرة فيجب الإمعان في دور كل من الأخ والزوج والأب في خلق علاقه صحية مع إناث الأسرة، فالبيوت أصبحت بارده خالية من أي تعبير عن المشاعر بطريقة صحيه فيها من العاطفة ما يكفى لإشباع كافة أفراد الأسرة ويوازن طبيعة العلاقات فيما بينهم، فقد أصبحا في حاجة ماسة إلى مهارة الانصات والتعاطف والتعبير عن الذات، فإذا سألت بعض الفتيات اليوم: "هل تعلمين بحب أبيكِ لك؟" تأتى الإجابة: "لا معرفش"، وإذا سألت الزوجة عن حب زوجها لها .. تسمع الرد: "هو أكيد بيحبني بس معرفش إزاي" وهنا تكمن الأزمة وهى نمطية العلاقات وعدم الاعتناء بالتعبير عن المشاعر.
في حين أوصانا الرسول الكريم بضرورة اخبار الطرف الأخر عن حبه له حينما قال " "إذا احببت أحدا فاخبره ليعلم..وكررها ليطمئن...واعمل بها ليوقن" وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أحب أحدكم أخاه فليعلمه أنه يحبه"، ولو امعنا النظر في علاقة سيد الخلق أجمعين بزوجته السيدة خديجة، لتدبرنا معنى الحب الحقيقي وفطنة التعبير عنه، فكان الرسول يأنس بمشورتها ويحرص على عرض الأمور عليها والاستئناس برأيها، ومن شدة حب النبي صلى الله عليه وآله وسلم للسيدة خديجة رضي الله عنها فقد كان يكثر من ذكرها حتى بعد وفاتها، حتى إن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: "ما غِرتُ على أحدٍ من نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما غِرتُ على خديجة، وما رأيتُها، ولكن كان النبي صلى الله عليه وآله يُكثرُ ذكرها، وربّما ذبح الشاة، ثم يقطّعها أعضاء، ثم يبعثها إلى أصدقاء خديجة، فربما قلت له: كأنّه لم يكن في الدُنيا إلّا خديجة! فيقول: إنّها كانت، وكانت، وكان لي منها الأولاد"، ولم يتزوّج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من غيرها في حياتها حتّى توفّيت رضي الله عنها، فقد كانت حبيبته التي قال عنها: "رزقت حبها".
وعلى المستوى الشخصي اتذكر جيدا أن والدي رحمة الله عليه، لعب دور كبيرا في حياتي وفي تشكيل وعي وتشكيل شخصيتي أيضا، بداية من مشاركته هواياتي البسيطة وتعبيراته المختلفة عن مدى حبه وتقديره لي، نهاية بدفعي طيلة الوقت نحو تحقيق كافة أهدافي الحياتية والعملية دون ممارسة أي ضغوط تذكر من جانبه يوما، فلا أذكر أنى شاهدت وجهه عابثا في وجهي يوما ما
ولا أنسى فرحه الجم بانتصاراتي الصغيرة، فبكل تأكيد للأب والأسرة دورا مهما في حياه الأبناء وتشكيل وعيهم على نحو سوى، وهكذا تكون العلاقات صحية.
نمطية الصعايدة ضد النساء..
ألا ترون العيب عيبا إلا حينما تمارسه امرأة!.. تلك المقولة تنطبق على حالة أخرى من التطرف ضد النوع الاجتماعي، وهو تطرف الصعايدة تجاه الفتيات بدعوى العادات والتقاليد، ففي أحد مشاهد الدراما المصرية وتحديدا مسلسل "ابن حلال" شاهدنا حينما هربت حنان شقيقة البطل الصعيدي الأصل مع شخص أخر لتعمل راقصه بعد سجن أخيها، وما أن علم شقيقها بعد خروجه إلا وقام بقتلها بزعم الدفاع عن الشرف، وحينما علمت الأم بنيته فما كان منها إلا أن قالت له: "بعد ما تنفذ أمر ربنا هاتلي بنتي ابكي عليها براحتي!"، في إشارة منها إلى انفاذ عادات وتقاليد المجتمع الصعيدي، فما علاقه الدين بالعادات والتقاليد؟! وهل أمر الله بإنزال الأحكام وتنفيذ الحدود في المطلق بحجة الشرف الزائف؟! فجميع النصوص في الكتاب والسنة النبوية والإجماع أجمعت أنّ حكم الزنا لغير المتزوج لا يقتضي إقامة حدّ القتل عليه، وهو ما يُعرف بالزاني غير المحصن، إذ أنّ الزاني غير المحصن يُجلد ولا يُقتل، ويقول الله تعالى في حكم الزنا لغير المتزوج: "الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ "[٦].
هكذا هو فكر سيدات المجتمع الصعيدي تجاه بنات جنسهن، فالعار لديهن حينما تفعله أنثي أما ما يفعله الرجل فلا يشوبه شائبه ولا غبار عليه تجاه الدين، فهن يرون العيب عيبا والحرام حراما حينما تمارسه امرأة فحسب؟!.
الأنثى ظالمه ضد الأنثى..
الأنثى نفسها أصبحت ظالمة ونمطية ضد الأنثى أيضا، فبالعودة إلى تراث أمهاتنا العظيمات في مختلف دول العالم، والتي تربت على حالة التمييز بين الأنثى والذكر تتردد على الأذان عددا من الأمثلة الشعبية التي تسحق شخصية المرأة وتغزى التميز النوعي ضد الفتيات، كما انها تعد موجزاً بليغاً عن تجربة عاشها الناس في فترة زمنية معينة، لتعود وتتناقلها الأجيال عبر الزمن فالناس انطباق للثقافة التي يعيشون فيها، لذا فمما هو ملاحظ إن غالبية الموروثات الشعبية العربية المرتبطة بالمرأة، هي آراء تمييزية تنظر للمرأة نظرة دونية، وتراها كائن أقل من الرجل، فإن المرأة سواء كانت طفلة أو فتاة بالغة أو حتى بزواجها، فهي في جميع حالتها مرتبطة دائما بالمهانة والدونية والضعف.
ففي مصر تسمع "الست ملهاش غير بيت جوزها"، "يا جايب البنات ياشايل الهم للممات"، والتي تشير إلى إن إنجاب الأنثى هم كبير لا ينتهى إلا بوفاة الأب، "لبس البوصة تبقى عروسة"، "اكسر للبنت ضلع يطلع لها 24" في تغذية صريحة للعنف ضد المرأة، و "عقربتين على الحيط ولا بنتين في البيت"، حتى نصل إلى المثل الفلسطيني : " اللي بتموت وليته من صفان نيته ، و "إن الله يحرس زوجة الأعمى، لأن المسكين لا يرصد خطواتها" وهذا مثل أخر هندي يشير إلى أن المرأة تتصف بانحراف الأخلاق حتى إنها لا تؤتمن على زوجها الكفيف، و "من ملك امرأة فقد ملك ثعباناً" وهذا من الأمثلة الإنجليزية التي تصف المرأة بانحراف السلوك، وكذلك المثل الأوربي " من تزوج جميلة، فقد تزوج ورطة"، وجميعها أمثلة و"أكليشهات" تؤكد لنا أن ما نراه من نمطية المجتمعات العربية ضد المرأة تحت ستار الدين هي محض افتراءات بعيدة كل البعد عن الدين.
وختاما .. في بداية غالبية أفلام السينما كثيرا ما نرى جملة "جميع أحداث هذا الفيلم لا تمت للواقع بصلة" .. فمتى تصل أنثى المجتمع العربي لتحقيق مضمون تلك الجملة؟!.
هنـــــــــاء شلتــــــــوت
صحفية وباحثة إعلامية
______________________________________________________
المراجع:
- العلامة الكاساني "بدائع الصنائع" (4/24، ط. دار الكتب العلمية)
- خديجة بنت خويلد سيدة في قلب المصطفى لـ (محمد عبده يماني)
- موقع Quartz الأمريكي