ميرال المصرى تكتب ..يا مُزّة..يا فرسة
بقلم : ميرال المصريميدانيهل أخجلتك؟ أعلم كم هي إباحية -هذه الألفاظ- أن أذكرها في عنوان مقال.. ولكن لم يثور القراء على عنوان مقال ولا يثورون على من يرددها على مسامعنا كل يوم؟
منذ متى أصبحت نساؤنا " مزّز" وأصبحت الفتاة "صاروخ" وباتت كلمة " فرسة" تعبير عن مدى إكتمال أنوثتها؟
منذ متى أصبح الغزل لا ينّم إلا عن شهوة لا تستتر لا تتحشم ولا تخجل؟ منذ متى اصبحت الفتيات تسمع هذه الألفاظ ببساطة في الشارع وتقرأها في تعليقات على صور فنانات؟
أحمد رمزي كان اشهر متحرش -بتعريف اليوم- في الأفلام القديمة, فكان يقف في الطرقات ويعاكس بطلات الأفلام بالصفارة وبكلمات مثل: "يا جميل و يا حلو".. وكانت الفتاة أحيانا تحب هذا النوع من الإطراء ولا تعتبره "تحرش".. وفي فيلم نهر الحب.. يخرج فؤاد المهندس لصاحبه عمر الشريف ويقدم له رسمة لسيدة (فاتن حمامة) وهي نائمة في كابينة القطار.. رسم فيها ملامحها ودمعة تسللت من عينيها ومضى أسفل الرسمة "الجمال النائم"..
هكذا تغزل بها.. "الجمال النائم.." هكذا وصفها..
وفي فيلم "إشاعة حب" يقول عمر الشريف لسعاد حسني وقد تشبهت بهند رستم لكي تنال إعجابه.. فيقول لها.. أنا حبيت سميحة البنت الرقيقة الجميلة إللي على طبيعتها"..
أي يريدها أن تخلع ثياب "اﻷنوثة" وترتدي مرة أخرى ثياب "اﻹنسانة" حيث لا إثارة ولا إبتذال..
ولكن هذا الغزل المهذب إختفى وحل محله الغزل القبيح المُخلّ!
هذه اللفتات الصغيرة عكست نظرة مجتمع للمرأة حينها.. كما تعكس هذه الألفاظ افباحية نظرتنا لها الآن..
وكما تطور الغزل من مراحله الطبيعية المهذبة إلى الإباحية المفرطة.. تطور أيضا وصفنا للمرأة في الأغاني والأفلام من الرقي إلى التسليع والتشيئ..
فإذا تأملنا صورة المرأة في كلاسيكيات السينما المصرية نرى أفلام تناقش قضايا المرأة برقي كفيلم مراتي مدير عام الذي تترأس فيه زوجة زوجها وينتهي الفيلم بقبول الزوج فكرة توليها منصب القيادة بل وتشجيعه لها.. وفيلم للرجال فقط الذي تتحدى فيه فتاتين التقاليد الصماء التي تمانع عملهن في الصحراء لإستخراج البترول لمجرد أنهن نساء وينتهي الفيلم بإثباتهن لجدارتهن وكفائتهن مثل الرجال بعدما تنكرن في زي رجال.. وغيرها من الأفلام التي هدفت إلى توعية العامة بضرورة النظر إلى المرأة كإنسان ليس كأنثى.. كإنسان كامل غير ناقص.. ففي الباب المفتوح تتلقي فاتن حمامة خطاب من حبيبها يقول فيه: "لا أريد أن تفني كيانك في كياني.."
فبالرغم من وضع المرأة الصعب في تلك الأوقات لعبت السينما دوراً هاما في مساندة قضيتها ورفع الوعي العام بإنسانيتها وحقوقها..
ولكن تغيرت نظرتنا للمرأة في أفلام اليوم وأصبحت السينما تلعب مهمة إعادتها إلى أدوارها التقليدية الذكورية.. فمثلاً فيلم تيمور وشفيقة والذي تتولي فيه شابة مثفقة منصب وزيرة البيئة وتتخلى عن حبها من أجل إيمانها بطموحها.. ينهيه الكاتب بحبكة درامية مبتذلة في تكرارها وسذاجتها ليبرر بها ضرورة إنصياع المرأة للرجل وإعترافها بضعفها وتنازلها عن أماكن القيادة في سبيل الزواج فقط!
قارن بين فيلم مراتي مدير عام وفيلم تيمور وشفيقة والذي يعرض تقريبا نفس القضية وكيف تناولها كتاب الزمن الماضي وكتاب هذا العصر؟
حتى في الأغاني.. إنحدرت صورة المرأة بشكل مفجع..
ففي الوقت الذي غنى فيه عبد الحليم "كفاية نورك عليا.. نورلي قلبي وروحي"..
يغني تامر حسني في أفلامنا " كل مرة بشوفك فيها بابقى نفسي أ.. أجيلك أقولك.." والكاميرا تركز على مؤخرة زينة.. ويكمل هو أغنيته " إنك كلك على بعضك عندي بالحياة"..
وتامر حسني لم يكذب.. فالمرأة لدينا اﻵن عبارة عن بعض اﻷجزاء المطابقة للمعايير أو بعض اﻷجزاء التي تحتاج لتجميل!
ولكن الأمر لم يتوقف عند مرحلة تامر حسني بل إنحدر أكثر في الأغاني الشعبية التي يلعبها الجميع في أفراحهم وفي سيارتهم.. ومن أشهر هذه الأغنيات أغنية"سوق النساء” والتي يُقال فيها " سوق البنات كلو قمارة حلوين طعمين وأنا نفسي بت تكون حلوة تسحر ملايين وتبقى بيضةياما.. والنبي بيضة ياما".. هكذا إختصر الأخ الذي يسمي نفسه "مغني" النساء في حياته.. بأنهن سلع في سوق ويختار منه الحلوة البيضة!
الأمر ليس فقط في التعبير عن مكانة المرأة ولكن أيضا في التعبير عن صدمة الحبيب فيها.. فعبد الحليم غني قصيدة "حبيبها" والتي يصف فيها حال إمرأة خائنة ويقول " حبيبها.. لست وحدك حبيبها.. حبيبها أنا قبلك وربما جئت بعدك وربما كنت مثلك.. فلم تزل تلقاني وتستبيح خداعي" يصف لوعة قلبه وصدمته برقي وإبداع..
ولكن ترى تطور الأمر في زمننا هذا مثلاً في مشهد لأحمد حلمي في فيلم ما وهو "يردح" لخطيبته -التي تركته لتتزوج برجل أغنى منه - وبصوت عال أسفل شرفتها يغني "يا عيلة مابتقولش لأ.. وبت مابتقولش لأ"
إلصاق الشهوة في أي جملة توجد فيها المرأة أصبح هو الشائع الآن.. فكل التعبييرات (كلامية أو درامية أو غنائية ) يوجد يها بشكل مباشر أو غير مباشر علاقة المرأة بالشهوة..
حتى المثال الأكثر تهورا سيكون في تحليلنا لدور الراقصات في الأفلام القديمة ودورهن الآن.. فالراقصات كن جزء أساسي من معظم أفلام الماضي.. وبعضهن كانوا يرتدين بذلات في عصرنا اليوم تعتبر فاضحة.. ولكن شاهد قدر ما تريد ولن تجد أن مصورا حاول مرة أن يقّرب الكاميرا على جزء من أجزاء جسد الراقصة.. أو على حركة من حركات مناطق عندها.. كانت الراقصات رغم ما يقدمن من شئ يعتبر بطبيعته مثير يعاملن كمقدمات لفقرة ترفيهية ولم يتم إستخدامهن بإبتذال.. أو برخص..
ولكن غني عن الذكر سردنا لأدوار الراقصات في أفلام اليوم .. فصافينار ودينا مثلاً كنا أسباب اساسية في إرتفاع إيرادات الأفلام التي شاركن فيها والكل يعلم لماذا! حتى أن صافينار التي بالكاد تتحدث العربية أو تعرف أبجديات التمثيل اُفرد لها دورا كاملا في فيلم ليستمتع الجمهور بمشاهدة جسدها ويستمتع المنتج بمزيد من الأموال ويتغذي العقل المجتمعي على فكرة أن النساء للشهوة!
والغريب أنه عندما كنا نتحدث عن تحرير المرأة.. كنا نقصد تحرير إرادتها من القيود.. تحرير عقلها من الركود.. تحرير عمرها من الفناء دون أثر.. ولكن هم لم يأخذوا من هذا الفكر التحريري إلا تحرير الجسد.. وتحرير الشهوة.. تحرير ليس فيه إلا إستعباد وإستغلال..
ولذلك فليس غريب ابدا أن تكون ألفاظ مثل: يا "مزة" و يا "فرسة" إنعكاس طبيعي لحقيقة نظرتنا لمن هي المرأة الآن.. فالمناخ العام في العالم أجمع أصبح يُسّلع المرأة.. بل أصبح لا يرى في المرأة إلا الجسد..