• 19 جمادى أول 1446
  • 21 نوفمبر 2024

مقالات

ميرال المصرى تكتب..حين سُرقت منَّا الحرية

ميداني

منذ سنوات ليست ببعيدة جدًا.. في غرفتي الصغيرة.. بابي مُحكم إغلاقه..  كنت أنكب على الحاسب الآلي لأكتب ما يختلج صدري بعيدًا عن أنظار من أعرفهم.. بعيدًا عن أحكامهم.. كنت أكتب لأخفف هذا الحمل الجاسم على صدري..  وقتها كانت المواقع الشهيرة محدودة جدًا.. وسبل التواصل بين الناس أيضًا محدودة.  

بعد ذلك بسنوات بدأت مواقع الصفحات الذاتية بالظهور مثل  My space, Hi5  وحققت نجاحًا مقبولًا كافيًا ليحقق الغرض منها، ثم ظهر الـ  Facebook، وبدأ الشباب رويدًا رويدًا ينتقل إلى موقع كان يروج لنفسه بميزة ينافس بها الآخرين.. "الخصوصية".

وبالنسبة لي مزيد من الخصوصية كانت تعني مساحة  أكبر من الحرية.. وبدأ الموقع يسألني عن ما يشغل ذهني.. و بماذا أشعر.. وشعرت بهذه العلاقة تبدأ بيني وبينه.. علاقة فيها طرف يُفصح عما بداخله وطرف يسمع بإنصات بل ويُسجل لي هذه المشاعر والأفكار بـ "خصوصية".

كان هذا الموقع بالنسبة لي مساحة رائعة من الحرية.. الحرية المنتقاة.. أكتب فيها ما أكتب دون حسابات وأهرب بها أو من خلالها من هموم تشكل حياتي الواقعية، وبدأت أُفصح له عن خواطري الخاصة، ولحظات التطرف التي أشعر بها أحيانًا ولا أستطيع أن أفصح بها لمن حولي، وبدأت أُظُهر معه كشخصية حرّة من الرقابة والتكلّف، ربما الشخصية الأكثر واقعية داخلي دون تجمل دون خوف أو تظاهر، وكنت أختار من سيشهد على هذه العلاقة الافتراضية، وأدخله في دائرة صداقتي.

وتوطدت علاقتي بالموقع على أساس هذه الثقة، وأصبح مساحة تنفيس آمنة لي، وإعتدت عليه وأصبح جزء من روتين يومي أو أسبوعي في حياتي، ولكن مع الوقت بدأ الموقع (بحسن نية كما يدعي) يحثني على أن أبحث في دوائري مرة أخرى عن أصدقاء أكثر لتتسع دائرتي، وأقابل أصدقاء قدامى أكثر، وأفتش عن ذكريات قديمة وأسترجع أشخاص رحلوا وكان لهم في قلبي معَّزَةٌ، كنت أطيعه وحين أكتفي كان يحثني أن أبحث مجددًا.. ربما في بريدي الإلكتروني؟ ربما في قائمة أصدقاء أصدقائي، وبدأ يعرض عليَّ صور لأشخاص ويطلب مني أن أعتصر ذهني لعلي أعرف منهم أحد، ربما أحدهم من الأقارب، من العائلة.. وهكذا.. الهدف الوحيد كان أن يزيد عدد أصدقائي حتى لو لم يكونوا أصدقائي، كان أن أبدو وكأنني أعرف أكثر ممن أعرف في الحقيقة.. أن أبدو كشخص محبوب مرغوب ذو معارف وعلاقات.

وبالفعل بدأ الغريب يطلب صداقة غريب آخر لأن بينهم صديق وأحيانًا دون وجود صديق، حتى أصبح الجميع أصدقاء للجميع، وكل دوائر الزمالة والقرابة تصب في نفس الدائرة الواحدة، التي لا تكترث إلا لالتهام المزيد من الأرقام..  وبعد أن اكتملت قوائم بعضهم التي تعدت الخمسة آلاف صديق، لم يتح لنا الموقع فرصة للاستراحة من السباق.. فأتاح آلية المتابعة التي تستوعب أرقام لا نهائية.. وإنتقلت المنافسة لعدد المتابعين.. وهكذا.

وأصبح عدد الأصدقاء والمتابعين الصغير مصدر خجل للبعض.. والكبير مصدر فخر وتباهي.. وفقدت الأرقام معناها وأصبحت تخدم هدف واحد فقط.. صورة صاحبها.. حتى أصبح الموقع مساحات من تغذية الأنا..

 بدأت دائرة الأصدقاء تزيد فعلا.. ومساحات الحرية تضيق بإتساعها..  بدأت تتزاحم.. بكثير من الناس.. كثير من الآراء والتوقعات والاختلافات..  بكثير من العيون.. والكثرة جلبت قوانين غير مكتوبة لما يصّح قوله وما لا يصح.. ما يصح إظهاره وما لا يمكن أن تعلن عنه.. ولكن أبداً لم يتوقف الموقع عن تشجيعك لتكتب بنفس الحرية القديمة ولكن أمام أعداد أكبر من الناس.. وبدأنا نكتب أكثر فعلاً لكن بحرية أقل وإفتعال أكبر.. أصبحنا نكتب ما يود الناس قراءته..أو ما يصح للناس قراءته..  وما يستطيع الناس فهمه.. الإعجاب به .. التفاعل معه..

كبرت الدائرة وتحولت من حياة كنا نهرب إليها لحياة نهرب منها ولكننا لا ننفك نتظاهر فيها بكل الكذبات.. كذبات الفرح والغنى والثقافة والاختلاف..

وبدأت صراعات الشكليات والواجبات تظهر لتغتال حلم الحرية البرئ.. وخلع الموقع عباءة الخصوصية وبدأ رويدًا رويدًا يستبدلها بعباءة الشهرة.. المفروض.. والواجب.. نقلنا بنعومة من مساحة حرية نقية لمساحة الأنا المظلمة.. من مساحة حرة من الأعراف والتقاليد والشكليات.. لمساحة من الكذب.. مساحة أصبح واجب عليك أن تُثبت بها أنك مُحب للجميع.. لست مغرورًا.. لست غريب الأطوار.. تحب الجميع وتقبل الجميع.. ولو أن الجميع يعلم أن هذه مجرد كذبة.

لم تنته علاقتي بالموقع ولكنني اكتشفت أن الموقع كالسلطة يستطيع أن يخدعك ويأسرك بالحرية.. هو يفهم جيدًا أنه أعطاني الحرية في البداية ليسجنني بها لاحقًا.. حرية كانت كالطُعُم بسذاجة التهمته كسمكة جائعة.. ثم وجدت نفسي أسيرة في شباك الآنا والمفروض.

واكتشفت أنه يفهم أن الآنا أهم للإنسان من حريته.. ويفهم أن السبيل الوحيد لتستمر هذه العلاقة ألا يتوقف عن إمداده بكل الطرق، التي تضخم من أهميته.. وفي سبيل ذلك سينسي الحرية.

فهمت لعبته.. وفهمت ضعفي.. ولكن مستمرة علاقتي به .. مستمرة ككثير من علاقاتنا.. بشكلية واصطناع..  علاقات تفتقد لصدق الحرية الحقة.. لتواضع الحرية.. لبساطة الحرية.. ولكن زادها الخوف من أن تصارح نفسك بأنك لست بهذه الأهمية لأنك حقا مهملًا.

وهذه هي الحكاية حين سُرقت منا الحرية..

 

أسعار العملات

العملة شراء بيع
دولار أمريكى 30.8414 30.9386
يورو 33.1144 33.2311
جنيه إسترلينى 38.6967 38.8310
فرنك سويسرى 34.9241 35.0499
100 ين يابانى 20.5514 20.6202
ريال سعودى 8.2235 8.2498
دينار كويتى 100.0858 100.4336
درهم اماراتى 8.3968 8.4239
اليوان الصينى 4.2869 4.3013

أسعار الذهب

متوسط سعر الذهب اليوم بالصاغة بالجنيه المصري
الوحدة والعيار الأسعار بالجنيه المصري
عيار 24 بيع 4,114 شراء 4,149
عيار 22 بيع 3,771 شراء 3,803
عيار 21 بيع 3,600 شراء 3,630
عيار 18 بيع 3,086 شراء 3,111
الاونصة بيع 127,954 شراء 129,021
الجنيه الذهب بيع 28,800 شراء 29,040
الكيلو بيع 4,114,286 شراء 4,148,571
سعر الذهب بمحلات الصاغة تختلف بين منطقة وأخرى

مواقيت الصلاة

الخميس 12:12 مـ
19 جمادى أول 1446 هـ21 نوفمبر 2024 م
مصر
الفجر 04:55
الشروق 06:25
الظهر 11:41
العصر 14:37
المغرب 16:57
العشاء 18:18

استطلاع الرأي