”بوعزيزي” لبنان ليس وحيدا.. وعائلته: لن نسكت
كتبت سارة أحمد محمدميدانيهزّت حادثة إحراق المواطن اللبناني جورج زريق نفسه، بسبب رفض المدرسة التي كانت ابنته طالبة فيها إعطاءه إفادة مدرسية لنقلها إلى مدرسة أخرى، قبل يومين لبنان وتحوّلت مادة للسجال عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وانقسم المغرّدون والناشطون بين من وجّه أصابع الاتّهام إلى الدولة المقصّرة في القيام بواجباتها بتأمين التعليم المجاني لأبنائها، وبين من صبّ جامّ غضبه على إدارات المدارس الخاصة والتي غالباً ما يتولاها رجال دين. ومنهم من ذهب بعيداً في تعليقاته معيداً إلى الأذهان صورة البائع المُتجول التونسي محمد البوعزيزي الذي أحرق نفسه في سيدي بوزيد يوم 17 ديسمبر 2010 احتجاجاً على مُصادرة عربته، مُشعلاً نيران شتاء غاضب في ربوع تونس ودول عربية أخرى، لم تخمد حتى اليوم.
فقد توفي زريق بعدما أضرم النار في نفسه في باحة مدرسة بكفتين في الكورة في شمال لبنان، احتجاجاً على عدم إعطائه إفادة مدرسية لنقل ابنته إلى مدرسة أخرى، وذلك بسبب سوء وضعه المادي وتراكم القسط المدرسي المتوجب عليه. وكان زريق قد نقل إلى إحدى مستشفيات طرابلس للمعالجة إلا أنه ما لبث أن فارق الحياة.
من جهته، قال وزير التربية اللبناني أكرم شهيب "إن الموضوع لا يتعلق بإفادة مدرسية كون وزارة التربية سهّلت أمور الطلبة العاجزين عن تأمين إفادات من مدارسهم بتأمينها من سجلات الوزارة". وأشار إلى "أن الأمر يحتاج إلى تحقيق للوقوف على الأسباب التي دفعت المواطن للانتحار"، معلناً أنه سيتولى تأمين التعليم لولدي زريق".
"لن نسكت"
إلا أن لأهل الضحية رأي آخر، ووجع آخر، إذ أكد شقيق جورج، شكري زريق لـ"العربية.نت" أن العائلة لن تسكت عن الذي حصل، وستتقدم بشكوى ضد إدارة المدرسة كما ستطالب بإقالة المدير بشارة حبيب".
وشدد قائلاً: "نريد حقوقنا المعنوية وسنُحاسب المسؤولين".
وشرح شكري زريق ما حصل مع شقيقه جورج في يوم الحريق، قائلاً: "لقد تعرّض لضغط نفسي من إدارة المدرسة التي طالبته بمبالغ ضخمة عجز عن تسديدها، علماً بأنه ونظراً لوضعه الاقتصادي يدفع نصف قسط عن كل ولد، لكن مدير المدرسة بشارة حبيب أصرّ على تسديده المبالغ، عندها أبلغه شقيقي جورج بأنه سيتوجّه إلى المدرسة وسيُحرق نفسه أمامها".
وحمّل المدير بشارة حبيب مسؤولية ما حصل لأخيه، "لأنه لو كان فعلاً يريد تدارك الوضع لكان اتّصل بالقوى الأمنية طالباً توجهها إلى المدرسة لمنع شقيقي من إحراق نفسه، حرصاً على حياة شقيقي وعلى الطلاب أيضاً كي لا يتعرّضون لصدمة، لكن كل ذلك لم يحصل وشقيقي دفع ثمن حياته"، بحسب رأيه.
وكان جورج زريق يعمل سائق تاكسي ولديه ولدان، صبي كان يتعلّم في مدرسة بكفتين قبل أن ينقله إلى مدرسة رسمية منذ ثلاث سنوات لعجزه عن تسديد القسط، وابنة كان يريد نقلها من مدرسة بكفتين إلى مدرسة رسمية الأسبوع الفائت وحدث معه ما حدث.
أما زوجته فكانت تعمل عاملة نظافة في المدرسة لتتمكن من تسديد البعض من الأقساط، لكن إدارة المدرسة كانت تخصم من راتبها (نحو 500 ألف ليرة ما يُعادل نحو 300 دولار) بدل المتأخّرات.
إدارة الثانوية توضح
في المقابل أعلنت إدارة ثانوية سيدة بكفتين الأرثوذكسية في الكورة التي أحرق زريق نفسه في باحتها، أنها منذ مطلع العام الدراسي الحالي، طلبت من أولياء الطلبة الحضور إلى المدرسة لتسوية أوضاعهم المالية والإدارية الخاصة بأولادهم، ولم يصدر عنها إطلاقاً أي تهديد بطرد أي تلميذ.
وأوضحت أنها تعاطفت مع جورج زريق منذ تسجيل ولديه سنة 2014 - 2015 وأعفته من دفع الأقساط، باستثناء رسوم النقليات والقرطاسية والنشاطات الأخرى، وعليه فكل ما يتم تداوله غير صحيح.
في حين دعا زريق إلى "إقالة مدير المدرسة وإلا فإن الإقفال سيكون مصيرها"، متمنياً ألا "يكون هناك جورج 2 في لبنان".
تحرّك أمام وزارة التربية
وتعبيراً عن غضبهم من الحادثة، دعا ناشطون إلى تجمّع أمام وزارة التربية الاثنين رفضاً لما يجري في بعض المدارس الخاصة التي ترفض إعطاء إفادات للأهالي لنقل أولادهم.
وأكد شكري زريق أنه سيكون على رأس "الصارخين" أمام الوزارة، قائلاً "إن شقيقه جورج هو شهيد كل تلميذ في لبنان سواء كان في مدرسة رسمية أو خاصة، وبان على الدولة أن تتحمّل مسؤوليتها في هذا المجال".
وأضاف: "أنا واثق أنه متى رفعت الدولة مستوى المدرسة الرسمية فإن كل أبناء النواب والوزراء سيلتحقون بها".
نائب كويتي يتدخل
وأعلن النائب في مجلس الأمة الكويتي خلف دميثير العنازي السبت التبرع بمبلغ 10000 دولار أميركي لعائلة الراحل جورج زريق وتخصيص راتب شهري للعائلة.
كذلك، أعلن وزير الدولة اللبناني لشؤون التجارة الخارجية حسن مراد تكفله بإتمام الدراسة الجامعية لأولاد الضحية مجاناً في الجامعة اللبنانية الدولية".
إنه اليأس والإحباط!
أما عن الدوافع التي قد تدفع بإنسان إلى إنهاء حياته حرقاً، فأوضح الأستاذ المساعد في علم النفس الاجتماعي في الجامعة اللبنانية نزار أبو جودة لـ"العربية.نت": "إن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والسياسية المتردّية في البلد ترفع معدلات اليأس والإحباط في صفوف اللبنانيين".
وأشار إلى أن "إحراق جورج لنفسه يأتي ضمن عنوان حق التعليم لكافة المواطنين". وقال: "الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة جداً التي يمرّ بها لبنان، معطوف عليها الوضع السياسي المُزري لا بد أن تدفع باللبناني إلى أن يعيش حياةً مضطربة تدفعه تدريجياً إلى اليأس والإحباط".
ونبه الدكتور أبو جودة إلى أن "إحراق جورج لنفسه قد يُشكّل الشرارة لارتفاع معدلات الانتحار، خصوصاً أن الطريقة غير الجدّية واللا علمية التي تعاملت بها الدولة مع الحادث المأساوي تُشجّع على تكرارها في المستقبل".
كما شدد على "ضرورة أن تولي الدولة أهمية قصوى للتعليم الرسمي عبر تحسين مستوى المدرسة الرسمية والجامعة اللبنانية وإقرار التعليم المجاني الإلزامي، وإلا فإن حالات الانتحار نتيجة ارتفاع أقساط المدارس والجامعات الخاصة ستتضاعف والشعور بالظلم والطبقية سينمو وحالات اليأس والإحباط ستزيد، وهذا كلّه سيكون قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة".
21 حالة انتحار في 40 يوما!
ويُعاني اللبنانيون من تردّي الأوضاع الاقتصادية وتدنّي القيمة الشرائية ما ضاعف حالات الانتحار بأبشع الطرق.
وتشير بعض الدراسات إلى أن 30% من اللبنانيين تحت خط الفقر، أي أن ما يُقارب 300 ألف مواطن دخلهم أقل من 5 دولارات يومياً.
وفِي هذا السياق أشارت مصادر قوى الأمن الداخلي في لبنان لـ"العربية.نت" إلى أن "21 حالة انتحار سُجّلت في لبنان منذ بداية العام الحالي"، وأوضحت أن "نسبة الانتحار في لبنان سجّلت في السنوات الخمس الأخيرة ارتفاعاً ملحوظاً في معدّلاتها".
وكانت جمعية "مبادرات وقدرات" التي تعنى بحوادث الانتحار، أفادت عن تسجيل 200 حادثة انتحار حصلت في لبنان عام 2018، وأشارت الجمعية إلى حصول 1500 محاولة انتحار خلال سنة 2017 أي بمعدل 4 محاولات يومياً، غير أن الأرقام المتعلقة بالانتحارات المكتملة، والتي تنشرها منظمة الصحّة العالمية، تضع لبنان في مراتب منخفضة وبعيدة من المعدل العالمي (0.2% في لبنان مقارنة بـ1.4% عالمياً)".