فاسألوا أهل الذكر.. التفكير فى شئون الدنيا أثناء الصلاة
ميدانيكثيرا ما يتعرض المصلى لوساوس وأفكار فى شئون الدنيا تشغله عن الخشوع والتدبر، فهل ذلك يذهب بثواب الصلاة؟ وما حيلة المصلى تجاه ذلك؟
طلب الله من المؤمنين الصلاة، وحث فيها على الخشوع وكمال التوجه إليه سبحانه: (حَافِظُوا عَلَى الصَلَوَاتِ وَالصَلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَهِ قَانِتِينَ) البقرة 238، وفسرت الصلاة الوسطى بالصلاة الفضلى. وهى ذات الخشوع والتوجه الكامل إليه سبحانه، وربط الله سبحانه وتعالى بالصلاة الخاشعة فلاح المؤمنين (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَذِينَ هُمْ فِى صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) المؤمنون 1، 2.
والصلاة لا تثمر ثمرتها من النهى عن الفحشاء والمنكر، واقتلاع بذور الشر من النفس إلا إذا كانت ذات خشوع وتوجه كامل.
ولكن الله هو العليم بطبائع ما خلق، علم عسر الخشوع القلبى على الإنسان، وعلم أن شرود الفكر عنده غالب عليه، فاجتزأ منه فى صحة الصلاة، وخروجه عنها، أن يؤديها تامة الشروط والأركان، وأن يتجه إليه بالتكبير قاصدا وجهه، مستشعرا عظمته، ثم رغب إليه أن يحارب ما يغلب عليه من الشواغل القلبية والخواطر النفسية التى تحول بينه وبين الشعور بلذة الصلاة الروحية، وأعلمه على لسان رسوله أن اشتغال الفكر أثناء الصلاة بغير جلال الله من وسوسة الشيطان وزعزعة النفس، وعدم الصبر فى مكافحة هذه الخواطر.
وقد صور الرسول ﷺ هذا المعنى أبلغ تصوير ليس فى الصلاة فقط بل فيها وفى تلبية ندائها، والإسراع إليها وذلك فيما روى أبى هريره رضى الله عنه أن النبى ﷺ قال: «إِذَا نُودِىَ لِلصَلاَةِ أَدْبَرَ الشَيْطَانُ لَهُ ضُرَاطٌ» وفى رواية: «وَلَهُ حُصَاصٌ حَتَى لاَ يَسْمَعَ التَأْذِينَ، فَإِذَا قُضِيَ التَأْذِينُ أَقْبَلَ، حَتَى إِذَا ثُوِبَ بِالصَلاَةِ أَدْبَرَ. حَتَى إِذَا قُضِىَ التَثْوِيبُ أَقْبَلَ، حَتَى يَخْطِرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ. يَقُولُ لَهُ: اذْكُرْ كَذَا، وَاذْكُرْ كَذَا، لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ مِنْ قَبْلُ. حَتَى يَظَلَ الرَجُلُ مَا يَدْرِى كَمْ صَلَى».
وفى رواية: «فَإِذَا لَمْ يَدْرِ أَحَدُكُمْ كَمْ صَلَى فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ. وَهُوَ جَالِسٌ»
والمقصود بالحديث وسوسة الشيطان للرجل فى الصلاة يضل كم صلى، فلم يدر أثلاثا صلى أم أربعا فليسجد سجدتى السهو.
أرشدنا الحديث إلى حديث النفس فى الصلاة بما يصرف القلب عن الموقف من عمل الشيطان، ومن البين أن عمل الشيطان يجب على المسلم مكافحته فى صلاته وفى حياته .
وأرشدنا رحمة بنا، نظرا لعسرة الموقف إلى صحة الصلاة التى إستوعب التفكير جزءا منها.
فعلى المسلم إذن أن يذكر إذا وقف بين يدى الله وكبر للصلاة أن الشيطان فى زعزة نفسه واقف له بالمرصاد فليعتصم بذكر الله، وليتدبر ما يجريه على لسانه من تكبير إذا قام أو ركع، وتسبيح وحمد إذا رفع أو سجد، وقراءة إذا قرأ .
عليه أن يروض نفسه على ذلك المرة بعد الأخرى حتى يصير شأنه، وحتى يسد على نفسه مسالك تلك الوسوسة التى تسلبه روح الصلاة وتجعلها صورة جافة لا تصعد بالنفس، ولا تزكى الروح.
هذا وقد علم أن من خواص النفس البشرية أنها لا تتجه فى وقت واحد إلا إلى شىء واحد، وأنها إذا حصرت فى دائرته لا يصل إليها غيره، وأن الحواس متى ربطت بمواقع معينه تبعها التفكير وانحصر فى دائرتها.
ومن هنا قال العلماء الذين حاربوا الوسوسة فغلبوها: ينبغى للمصلى أن ينظر إلى موضع سجوده وهو قائم وإلى ظهر قدمه وهو راكع، وإلى أرنبة أنفه وهو ساجد، فيربط حواسه بهذه المواقع، ويحصر فكره فى تدبر ما ينطق به من تكبير وتسبيح وقراءة. وبذلك نرجو أن تكمل للمسلم صلاته ويحظى فيها بلذة السمو الروحى، وقرة العين التى كان يجدها الرسول ﷺ فى الصلاة.