تاريخ الطعام (23): بروتين الفراعنة.. الفول المدمس الطبق الرسمي للمصريين بلمسة يونانية
ميدانييطلق على الفول بالعامية «حمّال الأسية»؛ فالمصريين لا يعطونه إجازة في أي وقت من أوقات العام، أو في اليوم الواحد نفسه، فهو طبقهم الرسمي الحاضر على مائدتهم دائما، ستجده الطبق الأساسي في وجبة الإفطار كل يوم، وكذلك في السحور في رمضان، ويقد يؤكل في أي وقت من اليوم باعتباره بديل نباتي جيد للبروتين، فهو «كباب الغلابة».
أصل الفول وتسميته:
عرف الفراعنة المصريون الفول كنبات وزرعوه ووصفوه في بردياتهم وعلى جدران المعابد، ولكنهم في البداية لم يكونوا يستخدمونه كغذاء للإنسان، وإنما كان يستخدم كـ«علف» باعتباره من أفضل أنواع الطعام للحيوانات، وكذلك كانت زراعته مفيدة للتربة وخاصة بعد زراعة الغلال الثقيلة مثل القمح.
ولكن القدماء المصريين لم يستخدموا الفول كغذاء إلا بعد احتلال الهكسوس لمصر؛ حيث إن المصريين عانوا من الفقر والجوع، وأصبحوا يبحثون عن بدائل اللحوم، فكان الفول خير بديل.
وكانوا يجدون صعوبة في «تسوية» الفول بسبب قشرته السميكة، فوضعوه في إناء من الفخار مليء بالمياه ودفنوه في الرمال الساخنة أو في رماد الفران، وبفعل الحرارة تمت تسوية الفول.
ويقال إن هذه العملية كان يطلق عليها «تمس» في المصرية القديمة وتحولت مع الوقت إلا «دمس» ومن هنا جاء مسمى فول مدمس.
إلا أن هناك رواية أخرى عن تسمية الفول بـ«المدمس» تعود للعنصر اليوناني، إذ كانت تنتشر في مصر الحمامات الشعبية، التي لا زال موجود بعضها إلى الآن، وكان رجل يونانى يدعى «ديموس» يمتلك أحد هذه الحمامات التي يتبعها دائماً مستودع لحرق القمامة من أجل تسخين المياه فى الحمام.
وفكر ديموس ذات يوم فى استغلال تلك الحرارة الناتجة عن حرق المخلفات والقمامة فى تسوية الفول، فقام بوضع قدرة الفول بعد غلقها جيدا فى تلك الصهاريج حتى تنضج، وبالفعل كانت النتيجة مبهرة، الأمر الذى انتشر بين المصريين وقتها، وأطلقوا على تلك الطريقة فى تسوية الفول «مدمس» نسبة للخواجة «ديموس».
الفول في كل مكان:
أبدع المصريون في تحضير طبق الفول، ولكل طريقة من تحضيره أصل ومكان نشأت فيه؛ ففي القاهرة نشأ طبق الفول بالزيت والليمون والكمون والفول بالزبدة أيضا، والإسكندرانية يفضلون الفول بالبصل والطحينة وزيت الزيتون، وخرج من الدلتا طبق الفول بالطماطم والكزبرة وطاجن الفول بالبيض، وفي دمياط يقدم الفول بالحمص، وكعادة الصعايدة الذين يفضلون الأكل الثقيل فحضروا الفول بالزيت الحار وبالصلصة والشطة ، وبالثوم.
ومن مصر انتقل الفول المدمس إلى باقي الدول، ففي «السودان» يُطلق عليه «حبيب الشعب»، ويتم تناوله بعد إضافة البصل والبهارات والطماطم، وأيضًا اللبن الرائب، بالإضافة إلى إعداده كوجبة رئيسية تسمى «البوش» وفيها يتم وضع الخبز فوقه كالفتة.
ووصل «الفول» إلى السعودية عن طريق الحجاج المصريين، وانتشر بين أهالي الحجاز بشكل كبير، وانتشر في باقي مناطق المملكة ليكون وجبة رئيسية على الإفطار في رمضان.
إلا أن هناك رواية تكذب مصرية الفول، وأن ليست مصر القديمة هي صاحبة الحق الحصري في أصله؛ إذ قالت الموسوعة الشاملة «إنسيكولوبيديا» عبر موقعها الإلكتروني إن علماء التاريخ كانوا قد عثروا على أقدم بقايا للفول المدمس في فلسطين، في الفترة من (6800 إلى 6500 قبل الميلاد) في العصر الحجري الحديث.
ولكن بعد هذه الفترة، عثر على بقايا أثرية للفول المدمس تعود لعام 3000 قبل الميلاد، في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط وأوروبا الوسطى، حيث كان طعامًا شائعًا لدى العديد من حضارات البحر المتوسط والشرق الأدنى، بما في ذلك الحضارة المصرية والرومانية واليونانية، بجانب نباتات البازلاء، والعدس، والحمص.
قدرة الفول:
لقدرة الفول وتطورها تاريخ طويل صاحب تاريخ الفول نفسه، فكانت تصنع في البداية من الفخار ومع الوقت بسبب وزن الفخار الثقيل ومشاكله في التأثير على تدميس الفول صنعت من النحاس، وظلت تصنع منه لمدة 4 قرون، ومع انتشار الألمونيوم صنعت القدرة منه ومازال يستخدم في صنعها حتى الآن وكذلك الاستالستين.