«مصائب قوم عند قوم فوائد».. كيف يستفيد تجار المواشي من حرائق الأمازون؟
ميدانيتحترق غابات الأمازون كل يوم؛ لترسل سحب الدخان التي تأذي السكان المحليين وتعكر صفو العالم كله بأزمة مناخية مستمرة، ولكن تلك السحب الدخانية لا تعني لتجار ورعاة المواشي شيئا غير الأموال والثروات المنتعشة، إذ ستزيح الحرائق، أشجار الأمازون الضخمة؛ لتنمو مكانها المراعي الخصبة لمواشيهم التي ستجلب لهم رؤوس الأموال.
وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز"، فإن الحرائق التي اجتاحت الأمازون مجددا خلال أسابيع لم تقع عفويا، بل هناك من تسبب بها لمصالح خاصة.
وفي الأسابيع الماضية، عم الأمازون جوا من التلوث والضباب، حيث أغلقت المطارات القريبة وعطلت الطرقات والمدارس، وطالبت السلطات المحلية السكان بالبقاء في منازلهم، بينما تعرض الكثير لنوبات السعال والعطس إذ ملأت جزيئات الغبار والدخان رئاتهم.
وبالنسبة لمن يعيشون في غابات الأمازون البرازيلية، تعد تلك كارثة لما فيها من ضرر على صحتهم، بينما يعتبرها النشطاء البيئيون كارثة على الكوكب الذي يعتبر الأمازون رئته الخاصة.
ولكن رجال الأعمال المنتفعين بتجارة الأبقار لا يهمهم ذلك؛ لأنهم لا يعيشون في الأمازون ولا يستطيع أحد إيقافهم بنفوذهم الكبير في السلطة البرازيلية.
ووفقا لدراسة أعدها مركز "ييل" لدراسة الغابات، فإن 200 مليون بقرة يتم رعيها في الأمازون البرازيلي على مساحة 173746 ميلا مربعا، اقتطعت من الغابة لتتحول إلى مراعي للأبقار.
ويلقي خبراء باللوم على رعاة الأبقار بشأن 80% من الغابات المجرفة أو المحروقة في الأمازون.
وتعد فكرة حرق الغابات -على الرغم من عدم قانونيتها- حلا مناسبا لكبار التجار لإيجاد مراعي واسعة لماشيتهم دون بذل الكثير من المال لشراء مساحات مماثلة بعيدا عن الغابات.
وبالنسبة للتجار الصغار المقيمين قرب الأمازون، فهم لا يفضلون مثل تلك الأنشطة ولا حتى المشاركة فيها، حيث يقول راعي الأبقار "ليلاندو باتيستا"، إنه مستاء من كثرة الحرائق التي يشاهدها من سطح منزله أثناء استراحته من رعي 200 بقرة، موضحا أن كبار التجار أصبحوا يظنون أن بوسعهم فعل ما يحلو لهم بالغابات حتى إذا كانوا سيحرقونها.
وبالنسبة للرعاة المحليين العاملين في مزارع كبار التجار، فإن مشاعرهم حيال حرق الغابات هي مزيج من التأذي جراء سوء المناخ من حولهم وتلوثه ونوع من الانتفاع، حيث بدون تلك الحرائق لن يقبضوا رواتبهم.
ويقول روبيرتو داسيلفا، العامل بمزرعة فزيندا سونهارو الكبيرة: "لا أحب تلك الحرائق، فقد أصبحنا نستيقظ كل يوم ولا نستطيع التقاط أنفاسنا من شدة الدخان".
بينما يخالف داسيلفا الرأي عامل آخر بنفس المزرعة يدعى "ميجال باريرا"، والذي يعتبر حرق القليل من الغابات لن يضر، إذ يقول بينما يشاهد الببغاوات الزرقاء تحوم في ظلال الأشجار: "إذا أعطينا الأولوية فقط للحفاظ على البيئة، فإن الرعاة الفقراء سيهلكون جراء الضغوطات المالية عليهم".
واهتمت الحكومة البرازيلية لعقود مضت بحماية الغابات من الحرائق المفتعلة من قبل التجار المنتفعين، ولكن اتساع رقعة الأمازون وعزلة كثير من مساحاته جعلت من حراسته تحديا حقيقيا.
وعلاوة على ذلك، فمنذ تولي الرئيس البرازيلي جايير بولزنارو، الحكم، أصبحت الحكومة لا تضع الأمازون بين أولوياتها ليجعل للنمو الاقتصادي ودعم المستثمرين أكثر أولوية؛ ما اعتبره تجار المواشي بمثابة ضوءا أخضر لإحراق الأمازون لصالح تنمية مراعيهم.
وبحسب تقرير "نيويورك تايمز"، فقد قررت أكبر 3 شركات لتجارة اللحوم في البرازيل، معاقبة التجار المتورطين في حرق الأمازون، عبر مقاطعة شراء مواشيهم، ولكن التجار لم يتركوا حيلة ليلتفوا حول تلك الخطوة، فيقوم التجار بإنتاج الماشية ورعيها على مساحات مقتطعة من الأمازون بسبب الحرائق، ومن ثم نقلها لمزارع أخرى مرخصة قانونيا، ليتم البيع من تلك المزارع للشركات الكبرى.
وكذلك يعتمد بعض التجار على بيع المواشي عبر وسطاء للشركات الكبرى، بينما يقوم آخرون بالتلاعب في أوراق نشأة وإنتاج الماشية، ليتم إزالة أي معلومات عن وجود تلك المواشي مسبقا بمزارع غير مرخصة.
وبحسب التقرير، حتى المزارع الملتزمة باتفاق 2009 مع الشركات الكبرى ونشطاء البيئة تقوم بالتحايل على بنود الاتفاق، فالمزرعة قانونية تماما ولكنها تقع بجوار أراضي الأمازون المحروقة، حيث تنبت المراعي الجديدة، وهنا يتم تسريب المواشي عبر سياج المزرعة لترعى في الأراضي المحروقة حديثا؛ ما يعد نوعا من استغلال الحرائق.
ويبرر ميجال ذلك التصرف بحاجة المواشي لتنويع مراعيها، حيث تكون الأعشاب داخل المزرعة قد استهلكت بشدة، وتكون الحاجة للرعي في الغابات المحترقة في الخارج.
ويعبر فولدمير جانبا عن استياء بعض التجار المحليين من قيود اتفاقية 2009 التي تحظر حرق أشجار الأمازون، حيث يقول مالك الـ200 بقرة: "خسرت كثيرا منذ منعت من إزالة أشجار الغابة، فقد سمعناهم كثيرا يتحدثون عن الحفاظ على البيئة، ولكنني لم أر أي من الرعاة استفاد شيئا من تلك الحماية للبيئة".
وأيا ما كان موقف الرعاة والتجار من حرق غابات الأمازون، فهم يعيشون تبعاته ويشعرون بها، حيث يقول لويس رودريجيز، وهو يطالع رؤوس الماشية في مزرعة فزيندا يونيفيرسال: "أصبحنا نعيش بلا أشجار، والجو حار للغاية، ولا يوجد ظل وفير، وحتى المواشي بدأت تتأذى جراء جفاف المناخ حولها".