بأى ذنب رحلوا؟... الضغوط النفسية والاجتماعية بوابة المنتحرين إلى محطتهم الأخيرة
ميدانيتزايدت حوادث الانتحار بشكل ملحوظ مؤخرا، لأسباب متعددة أبرزها اجتماعية ونفسية، حتى أن بعض المنتحرين لجأوا إلى توثيق لحظات موتهم، فى تقليد جديد على الشارع المصرى، فى الوقت الذى دعا فيه خبراء إلى عدم تناول القضية على أنها ظاهرة، ودراسة كل حالة بمفردها، مع النظر فى الوقت نفسه إلى القواسم المشتركة بين كل منها.
فقبل أيام انتحرت «م.م.أ» 21 سنة، ربة منزل، بشنق نفسها داخل غرفة نومها فى إحدى القرى التابعة لدائرة مركز شرطة فاقوس، وتبين أن سبب انتحارها مرورها بحالة نفسية سيئة بعد انفصالها عن زوجها.
وفى قرية الكردى بمركز قلين فى محافظة كفر الشيخ، انتحر «على ر ع»، 49 عامًا، نظرا لمروره بحالة نفسية شديدة، لعدم قدرته على تجهيز احتياجات ابنته للزواج، وشجاره اليومى مع زوجته، نظرا لعدم قدرته على الوفاء بالتزاماته المادية.
وكشفت دراسة حديثة لأستاذ الطب النفسى بجامعة الأزهر محمد المهدى، عن أن ٩٨٪ من المنتحرين مصابون بأمراض نفسية أو عضوية، فى حين أن ٢٪ فقط منهم أسوياء.
وأضافت الدراسة أن الانتحار سلوك متعدد الدوافع، ينشط حين يختل التوازن بين غريزتى الحياة والموت، وهو لا يولد فى لحظة تنفيذه أو محاولة تنفيذه، وإنما يكون رابضًا كخيار فى طبقات الوعى الغائرة، إلى أن يطفو فوق السطح وينشط فى ظروف بعينها، ليكون الخيار الوحيد الذى يراه الشخص فى تلك اللحظة على أنه أفضل الحلول.
وأوضحت الدراسة أن المرض النفسى من أقوى الدوافع نحو الانتحار، حيث تزيد خطورة الانتحار فى المرضى النفسيين من ٣ إلى ١٢ مرة بالمقارنة بعموم الناس، وهناك مجموعتان رئيسيتان خطيرتان: الأولى المصابون بالاضطرابات النفسية «الاكتئاب والفصام والإدمان»، والثانية المترددون بشكل متكرر على مستشفيات الطوارئ.
وأشار المهدى إلى وجود عوامل عدة تجعل الإنسان عرضة للانتحار، حسب طبيعة كل مجتمع وكل شخص، وعلى الرغم من أن الإيمان قد يكون حاجزا قويا ضد الانتحار، إلا أنه يتلاشى حينما يختلّ التوازن بين الرّغبة فى الحياة والرّغبة فى الموت، ويظهر ذلك فى حالات الاكتئاب الشديد.
النتائج التى توصل إليها المهدى نجد صداها على أرض الواقع، مع انتشار فيديوهات الانتحار على السوشيال ميديا بشكل كبير، وعلى رأسهم الشاب إسلام الذى أنهى حياته فى بث مباشر على «فيسبوك»، ونادر الطالب فى كلية الهندسة الذى انتحر من أعلى برج القاهرة، وآخر قفز على رصيف إحدى محطات الخط الثالث للمترو لتتناثر أشلاؤه على القضبان.
الحوادث المشابهة لم تقف عن ذلك، حيث أنهى «محمد م ع»، 18 عاما، حياته إثر تناوله الحبة السامة لحفظ الغلال، وتبين أنه يمر بأزمة نفسية، فيما كانت محاولة انتحار طالبة من مركز مشتول السوق بالشرقية أكثر غرابة، عندما ألقت بنفسها من فوق سطح منزلها، بسبب نشر 5 طلاب صورا لها مع حبيبها على موقع «فيسبوك»، وخوفها من افتضاح أمرهما.
مجلس الوزراء بدوره، نفى تطور الأمر إلى حد الظاهرة، لافتا إلى أن ما تردد فى بعض وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية وصفحات التواصل الاجتماعى، من أنباء تزعم تصدر مصر المركز الأول عالميًا فى معدلات الانتحار، غير صحيح، مؤكدا أن كل ما يتردد فى هذا الشأن مجرد شائعات تستهدف النيل من الاستقرار المجتمعى.
وتواصل مجلس الوزراء مع الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، الذى نفى تلك الأنباء تماما، مُؤكدا أنه لا صحة على الإطلاق لهذه الإحصائية، مشيرا إلى أن حالات الانتحار خلال عام 2017 بلغت 69 حالة فقط.
ويرى الكتور محمد المهدى أن الوصفة العلاجية فى هذه الحالات، تشمل ضرورة إعادة قيم التراحم والمساندة والدعم والتكافل، لتقوية شبكة الأمان الاجتماعى، فضلا عن ضرورة السعى لإعادة القِـيم الإسلامية الأساسية، مثل الثقة فى رحمة الله، وتنمية الوعى الثقافى لدى المواطنين بأمراض الاكتئاب والانفصام والإدمان والقلق، وعودة دور الأسرة المترابطة على غرار الماضى.
وقال خطيب مسجد السيدة عائشة مصطفى الأزهرى، إن الدين أكد حرمة الانتحار شرعا، باعتباره قتلا للنفس بغير حق، مطالبا الأسر بالاهتمام بأبنائها، وإعادة التفاهم والتحاور معهم فى جميع الأمور، والرد على استفساراتهم، وإشراكهم فى الحوارات والقرارات، حتى لا يتخذ أى منهم جانبا بعيدا عن الأهل والأصدقاء.
ويقول أستاذ علم النفس التربوى بجامعة المنوفية حمدى الفرماوى، إنه لابد من الإقرار بأن حالات الانتحار فى المجتمع المصرى لم تصل إلى حد الظاهرة، لذا فإن البحث عن أسبابه لابد أن يتم من خلال دراسة كل حالة بمفردها، فضلا عن مراعاة الأسباب العامة التى قد تكون قواسم مشتركة بين الحالات، مثل الأسباب الاقتصادية والأسرية والعاطفية، وغيرها.
ودعا الفرماوى، إلى ضرورة إصلاح للتعليم لإعادة بناء الإنسان المصرى، وتوجيه الإعلام للترويج لهذا التوجه، مع تغيير الخطاب الدينى بعد تنقية التراث، وتوجيه العقل للتدبر والاجتهاد على أساس منطقى.
وشدد استشارى الطب النفسى وليد هندى، على ضرورة تفعيل دور الطبيب النفسى ولقاءات الأسرة والأصدقاء لتقديم الدعم الاجتماعى للمرضى النفسيين والمقدمين على الانتحار، وإعادة إدماجهم داخل المجتمع، بتوجيههم إلى أهمية وجودهم فى حياة المحيطين بهم.
وأشار إلى أن مواقع التواصل الاجتماعى والإنترنت والتليفونات المحمولة جعلت الناس فى قرابة من بعضهم عن طريق تلك الأجهزة الحديثة، التى سهلت كثيرا من التواصل عن بعد بالصوت والصورة، ما قد يشكل رابطا لمساعدة الأشخاص فى الارتباط بالمجتمع.