حاول الانتحار اعتراضا على نقله.. حكم قضائي بتأييد وقف أمين شرطة عن العمل
ميدانيأصدرت المحكمة الإدارية لرئاسة الجمهورية وملحقاتها بمجلس الدولة، حكماً بتأييد قرار مدير الإدارة العامة للترقيات والتفتيش للأفراد بوزارة الداخلية بإحالة فرد شرطة للاحتياط، حفاظاً على الصالح العام نظراً لقيامه بإلقاء نفسه بنهر النيل اعتراضاً منه على صدور قرار بنقله.
صدر الحكم برئاسة المستشار محمد حسن بدوي، نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية كلا من المستشارين إسلام توفيق الشحات، نائب رئيس مجلس الدولة، والمستشار محمد حسن شلال، المستشار مساعد.
وقالت المحكمة في حيثيات حكمها إن محاولة فرد الشرطة الانتحار بإلقاء نفسه بنهر النيل اعتراضاً على صدور قرار بالنقل فعل يبلغ من الجسامة مبلغاً يحول دون بقاء فرد الشرطة قائماً بأعباء ومهام وظيفته، فهو -والحاله هذه- إما أن يكون مختل السلوك فاقداً التحكم في ردود أفعاله، أو أنه أتى فعلته المذكورة من باب ابتزاز الجهة الإدارية لحملها على سحب قرارها بنقله، وفي كلا من الحالتين، فإن في قدومه على فعلته محاولا الانتحار -على النحو المعروض والذي يتنافي والمقبول عقلاً ومنطقاً وقانوناً- ثبوت عدم اكتراثه بالقواعد والإجراءات المقررة.
وأكدت المحكمة أن فرد الشرطة المشار إليه بفعلته تلك لم يكتف بمخالفة القواعد القانونية وأعراف عمله فحسب، بل خالف الشريعة الربانية محاولا إزهاق روحة وملقيا بنفسه في التهلكة، ذلك ما يتوافر معه حالة الضرورة الملحة التي تبرر إبعاده عن عمله -بصفة مؤقتة حتى انصلاح حاله ورده إلى رشده- وذلك بإحالته للاحتياط، للصالح العام والتي توافرت في الحالة المعروضة أبلغ دواعيها، بحسبانه غير مؤهل للقيام بالعمل الشرطي، وغير جدير بتقلد مهام تلك الوظيفة، ولا تتوافر بحقه المقومات الذهنية والسلوكية اللازمة، ويخشى منه الإتيان بأي سلوكيات غير مألوفة كما بدر منه بالفعل، وفي ذلك أسمى آيات إنزال الإلتزام الدستوري بشأن كفالة الدولة أداء أعضاء هيئة الشرطة لواجباتهم.
وأشارت المحكمة إلى أن مقومات العمل في المجال الشرطي، وصفات وخصائص رجل الشرطة تتنوع ما بين ما يكتسبه من مهارات وخبرات سواء خلال فترة إعداده أو خلال مدة عمله، وبين سماته الشخصية ذاته، فالأخيرة ينبغي أن تكون الأعلى والأسمى بكافة عناصرها، والتي منها تحليه بالأمانة اللازمة، واحترامه للقواعد والتعليمات، وضبط النفس سواء في تعاملاته مع زملاءه أو الجمهور داخل نطاق العمل، أو مع العامة خارج نطاق العمل، وأن يحافظ على كرامة وظيفته، وأن يسلك في تصرفاته مسلكاً يتفق والاحترام الواجب مع طبيعة وظيفته، وأن تكون كافة تصرفاته وأفعاله متوازنة وفي الحدود المسموح بها والتي تتفق مع جسامة وظيفته.
ونوهت المحكمة إلى أن الأصل في رجل الشرطة أن يقوم بماشرة أعمال وظيفته بأي موقع تحدده جهة عمله أو سلطته الرئاسية، دون أن يمتنع عن أدائه له، فللجهة الإدارية -في هذا الشأن- أن تلحقه بأي قطاع من قطاعات وزارة الداخلية، وأن تنقله منها في أي وقت -بعد إتباع الإجراءات المقررة- دون أن يوصم قرارها بعدم المشروعية، وعلى رجل الشرطة الانصياع لتلك الأوامر والقرارات وتنفيذها على أكمل وجه طالما خلت من أي مخالفة للقانون، حتى وإن لم يرتضي مثل تلك القرارات.
وأردفت أن الأصل في الاعتراض على مسلك الجهة الإدارية أن يتم مخاصمة أعمالها وفقاً للإجراءات التي حددها القانون، والتي تبدأ بالتظلم وتنتهي بإقامة دعوى قضائية، وإن كان ذلك التزاماً يقع على عاتق الكافة في سبيل إختصام أعمال الجهة الإدارية، فإن هذا الالتزام يبلغ مبلغه ومنتهاه إذا تعلق الأمر برجل الشرطة، بحسبانه من القائمين على تنفيذ القواعد القانونية وحمايتها، فهو الأولى باحترام القاعدة القانونية والالتزام بها.
ولفتت المحكمة النظر إلى أنه إذا كان الدستور قد أناط بالقاضي تحقيق العدالة فقد أناط في المقابل برجل الشرطة كفالة الطمأنينة والأمن والحفاظ على النظام العام والآداب العامة، وتلك جميعها من مفردات ومقتضيات الحفاظ على سلامة الجبهة الداخلية للدولة، فلا يتصور الظفر بالعدالة كقيمة سامية من دون أمن، وإن كان للمحكمة تقويم سلوك الجهة الإدارية إن إعوج، فوجب عليها كذلك مساندته وتعضيضه طالما كان متفقاً وأحكام الدستور والقانون مبتغياً الصالح العام، وهو ما تأبى معه المحكمة وأن تقر سلوك مشين في الاعتراض على قرارات الجهة الإدارية، أو أن تسن سنة بإقرارها أو بموافقة منها على مثل هذا الفعل المتطرف، فيحذو حذو مرتكبه أقرانه، آمنين جزاء فعلتهم، وهو ما ينال من أساس دولة القانون، وهيبة القائمين على تنفيذه ما بقوا قائمين بعبء هذه الوظيفة.