كيف تساهم الشائعات والأخبار الكاذبة في انتشار الأمراض والتأثير على الإنسان نفسيا وبدنيا؟
ميدانيالمعلومات هي ما تشكل رؤيتنا عن العالم من حولنا بكل ما فيه، وهي ما تنبني عليها معرفتنا، وهي ركيزة أساسية نتكئ عليها في تحديد وجهة قراراتنا، والتي تتعدد أثارها علينا فمنها ما له أثر مالي أو صحي أو سياسي، لذا فالقرار السليم لابد أن يبنى على معلومة صحيحة.
ومنذ بدء ظهور فيروس كورونا المستجد كوفيد-19 في الصين، نهاية 2019، اجتاحت العالم موجات من الشائعات والأخبار الكاذبة المتعلقة بالفيروس، من قبل تفشيه عالميا، واستمرت إلى يومنا هذا، عززت من حاله الخوف والهلع والتنمر والعنف والعنصرية ضد الأبرياء، وأحدثت حالة ارتباك قد تكون ساهمت في تفشي الفيروس عالميا؛ وهو ما أكدته دراسة علمية لكلية نوريتش للطب بجامعة إيست أنجليا (UEA) البريطانية نشرت بداية الشهر الماضي، وجدت أن انتشار المعلومات والنصائح المغلوطة على مواقع التواصل الاجتماعي قد يساهم في رفع معدلات انتشار الأمراض، لذا فنجاح أي جهود من أجل منع مساهمة الناس في نشر تلك الأخبار والمعلومات يمكن أن يسهم في إنقاذ مزيد من الأرواح.
في تلك الدراسة، ابتكر الباحثون محاكاة نظرية تأخذ في الاعتبار دراسات السلوك الحقيقي، وكيفية انتشار الأمراض المختلفة، وفترات الحضانة، وأوقات التعافي، وسرعة وتيرة النشر على وسائل التواصل الاجتماعي، ومشاركة المعلومات الواقعية. كما أخذوا في الاعتبار كيف يرتبط انعدام الثقة في السلطات وأجهزة الحكم بالميل إلى الإيمان بنظريات المؤامرة، ومظاهر تفاعل الأشخاص داخل "فقاعات المعلومات" على الإنترنت - وتعني الثقة في الأشخاص المنتمين لدوائرنا الاجتماعية وعدم متابعة من لديهم آراء مختلفة- ، وحقيقة أن الناس أكثر ميلا لمشاركة وتبادل القصص الكاذبة، مقارنة بالمعلومات الصحيحة عبر الإنترنت.
وتقول الدكتورة جولي برنارد، من فريق البحث إن خفض تداول المعلومات والنصائح المغلوطة عن الأمراض بنسبة 10% (من 50 % إلى 40%) يحد من تفشيها، كما أن كبح رغبات 20% من الناس في مشاركة أو تصديق تلك المعلومات يكون له نفس الأثر" بالرغم من هذا فإنه حتى لو كان "90% من المعلومات والنصائح المتداولة سليمة وجيدة فإن بعض الأمراض سوف تستمر في الانتشار".
- الناس أكثر ميلا للأخبار الكاذبة!
بالرغم من أن الدراسة لم تستند إلى مراقبة السلوك الحقيقي للبشر، واستخدم الفريق عوضا عن ذلك نماذج محاكاة معقدة، إلا أنهم بحسب برنارد، كانوا مهتمين بقياس مستوى "مناعة القطيع" المطلوب لتحصين الناس ضد الأخبار الكاذبة، حيث أكدت النماذج المستخدمة فاعلية أي "مناعة" ضد المعلومات والنصائح المغلوطة في التقليل من تفشي الأمراض.
في حالة الأمراض المعدية تقترح نظرية "مناعة القطيع" احتمالية إعاقة وإبطاء دورة العدوى كلما زاد عدد من يحملون مناعة ضد المرض، حيث تقل احتمالية انتقال العدوى للأفراد سَرِيْعي التَّأَثُّر.
ويقصد بنظرية "مناعة القطيع" في حالتنا هنا أنه كلما زاد عدد الأشخاص ممن لديهم مناعة ضد الأخبار الكاذبة، باعتبارها مرضا يصبح من الصعب انتشارها.
ويقول البروفيسور بول هانتر قائد فريق البحث: "إن الأخبار الكاذبة يتم إختلاقها دون مراعاة للدقة، وغالبًا ما تستند إلى نظرية المؤامرة، أظهرت الأبحاث أن ما يقرب من 40 % من الجمهور البريطاني يؤمنون بإحدى نظريات المؤامرة، وأكثر من ذلك في الولايات المتحدة وبلدان أخرى، وهو أمر يثير القلق، وفيما يتعلق بـفيروس كورونا COVID-19، كان هناك الكثير من التكهنات والمعلومات والأخبار الكاذبة يتم تداولها على الإنترنت، حول كيفية نشأة الفيروس، وما الذي يسببه وكيف ينتشر.
وتابع قائلا: من المثير للقلق أن الناس أكثر ميلا لتبادل النصائح الخاطئة على وسائل التواصل الاجتماعي، بدلاً من النصائح الموثوقة من مصادر منظمة الصحة العالمية ومراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، المعلومات المغلوطة تعني أن النصائح الخطأ يمكنها الانتشار بسرعة أكبر، ويمكن أن تغير سلوك الإنسان ليتخذ قرارات ذات مخاطر أكبر، لقد رأينا كيف أدى صعود الحركة المضادة للقاحات إلى زيادة في حالات الحصبة في جميع أنحاء العالم، والأمثلة على السلوكيات الخطيرة أثناء تفشي الأمراض المعدية كثيرة ومنها عدم غسل اليدين، والمشاركة في الأكل مع المرضى، وعدم تطهير الأسطح الملوثة، وعدم الالتزام بالعزل الذاتي".
- الأخبار الكاذبة سيئة لقلبك وصحتك!
وتشير دراسة تجريبية أجرتها جامعة مانشستر متروبوليتان، في العام 2018، إلى أن الأشخاص الذين لا يتشككون في مصدر المعلومات، أو اللذين لدذيهم مستوى منخفض في "تمييز المعلومات"، يعانون من الإجهاد البدني والنفسي.
استخدمت الدراسة مجموعة متنوعة من التقنيات المتطورة في مجال علوم المعلومات وعلم النفس وتصميم تجارب المستخدم عن كيف يتفاعل الأشخاص مع وسائل الإعلام عبر الإنترنت، لقياس سلوك المستخدمين وتفاعلهم بدنيًا عند إصدار أحكام حول المعلومات عبر الإنترنت.
وتكشف الدراسة أن الأشخاص الذين يعانون من ضعف في تمييز المعلومات، عندما يتعرضون لمعلومات مضللة في وضع متوتر تكون لديهم استجابة معيبة "للتهديد"، تؤدي إلى إنتاج رد فعل ضاغط يسبب استجابات قلبية غير مفيدة وقراءة غير منتظمة.
تؤدي استجابة "التهديد" هذه أيضًا إلى مشاكل نفسية، حيث توصلت الدراسة إلى أن المشاركين الذين يعانون من ضعف في تمييز المعلومات كانوا يفتقرون إلى الثقة بالنفس ويميلون إلى وصف أنفسهم بعبارات سلبية.
وفي عصر "الأخبار الكاذبة"، والانتشار الواسع للمعلومات غير المؤكدة على الإنترنت، تُظهِر النتائج أن القدرة على إصدار أحكام مدروسة ومتوازنة أمر بالغ الأهمية لصحة أي شخص.
ويقول الدكتور جيف والتون، كبير محاضري المعلومات والاتصالات بجامعة مانشستر متروبوليتان، والباحث الرئيس في الدراسة: "أولئك الذين لا يجيدون إصدار أحكام بشأن المعلومات التي يقرؤونها أو يشاهدونها في الصحف أو التليفزيون أو على مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة المعلومات الخاطئة مثل الأخبار المزيفة، واجهوا استجابة جسدية سلبية لها. وهذا يعني أن المعلومات الخاطئة ضارة بصحتهم البدنية".
ويضيف والتون: "من ناحية أخرى، يكون لدى الأشخاص ممن يجيدون إصدار أحكام بشأن المعلومات، استجابة بدنية أفضل عندما يواجهون معلومات خاطئة. وبالنظر إلى وابل مستمر من الأخبار الكاذبة التي نواجهها كل يوم في حياتنا، فإن لدينا مشكلة صحية عامة ومقلقة في طور النشوء".