جوزيب بوريل يكتب: أربع أولويات لاستراتيجية عالمية لمواجهة الجائحة
ميدانيإن التباين الواضح بين الصمت الذى يسود شوارع أوروبا وساحاتها، وبين الواقع المؤلم والمضطرب فى العديد من مستشفياتها لهو أمر مؤسف. لا يحكم فيروس كورونا 2019 قبضته على أوروبا فقط، بل على المجتمع العالمى بأسره. ومن الواضح بالفعل أن هذه الجائحة ستعيد تشكيل عالمنا. لكن كيفية حدوث ذلك بالضبط ستعتمد على الاختيارات التى نتخذها اليوم.
ينبغى أن ننظر إلى فيروس كورونا باعتباره العدو المشترك للعالم. وعلى الرغم من أن هذه ليست حربا، إلا أننا بحاجة إلى تعبئة الموارد بصورة تشبه الاستعداد للحرب.
لكن فى أوقات الأزمات، تدفعنا غريزتنا إلى أن ننغلق على ذواتنا، وأن ندافع عن أنفسنا. وبالرغم من كون هذه الاستجابة أمرا يمكن تفهمه، إلا أنها تأتى بنتائج عكسية. فالمواجهة الفردية لا تضمن سوى استمرار القتال لفترة أطول، وتزيد من التكاليف البشرية والاقتصادية بشكل كبير. وعلى الرغم من أن العدو أثار نـزعات قومية، إلا أننا لن نتمكن من هزيمته دون التنسيق عبر الحدود ــ داخل أوروبا وخارجها.
الحق أننا بحاجة إلى نهج دولى مشترك لمكافحة الجائحة ومساعدة أكثر الشعوب ضعفا، لا سيما فى البلدان النامية ومناطق الصراع. وقد أكدت على هذه النقطة فى المناقشات الأخيرة مع وزراء خارجية مجموعة السبع وكثيرين غيرهم. باختصار، ينبغى للاتحاد الأوروبى أن يكون جزءا من هذا الجهد، وهذا سيحدث لا محالة.
لقد حان الوقت لكى نظهر أن التضامن ليس عبارة مفرغة من المعنى. ولحسن الحظ، ظهر ذلك بالفعل فى أوروبا حيث ترسل فرنسا والنمسا أكثر من ثلاثة ملايين قناع طبى إلى إيطاليا، وحيث تستقبل ألمانيا وتعالج المرضى من فرنسا وإيطاليا. وبعد مرحلة أولية اتسمت بتضارب القرارات الوطنية، ندخل الآن مرحلة التقارب التى يحتل فيها الاتحاد الأوروبى مركز الصدارة.
من جانبها، بادرت الكتلة بقرارات لتسهيل عمليات الشراء المشتركة للمعدات الطبية الحيوية، وإجراء عمليات تحفيز اقتصادى مشترك، كما نسقت جهودا قنصلية لإعادة مواطنى الاتحاد الأوروبى الذين تقطعت بهم السبل. وبعد عقد اجتماع افتراضى للمجلس الأوروبى، اتفق قادة الاتحاد الأوروبى على تكثيف جهودهم المشتركة، لا سيما من خلال تطوير نظام أوروبى لإدارة الأزمات واستراتيجية مشتركة لاحتواء أزمة فيروس كورونا.
الحق أن أزمة فيروس كورونا 2019 ليست معركة بين دول أو أنظمة. ففى مراحل مختلفة من تفشى الوباء، جرت عمليات تبادل للمساعدات بين أوروبا والصين ودول أخرى، مما يدل على الدعم المتبادل والتضامن. وكما دعم الاتحاد الأوروبى الصين عندما ظهر المرض فى بداية العام، ترسل الصين الآن المعدات والأطباء لمساعدة البلدان المتضررة فى جميع أنحاء العالم.
هذه أمثلة ملموسة للتضامن والتعاون العالمى؛ ويجب أن تصبح هى القاعدة. تتمثل إحدى طرق التفكير فى فيروس كورونا فى أنه يعمل على تسريع وتيرة التاريخ. لذا يجب على الاتحاد الأوروبى أن يظل عاملا موحدا خلال أى تغيرات يخبئها المستقبل، من خلال تعزيز الجهود المشتركة مع الصين والولايات المتحدة لمعالجة الجائحة وعواقبها. ولن تتمكن مجموعة العشرين والأمم المتحدة من إحداث فرق حقيقى إلا إذا سارت هذه القوى الثلاث فى نفس الاتجاه.
على صعيد آخر، وإلى جانب التنسيق الدولى بين الحكومات، لا بد من رفع مستوى التعاون بين العلماء والخبراء الاقتصاديين وصانعى السياسات. ففى خضم الأزمة المالية عام 2008، لعبت مجموعة العشرين دورا محوريا فى إنقاذ الاقتصاد العالمى عندما كان فى حالة سقوط حر. ومرة أخرى، ثمة حاجة ملحة لقيادة عالمية على هذا المنوال.
فى هذا الصدد، توجد أربع أولويات رئيسية للتعاون العالمى. أولا، ينبغى لنا أن نحشد الموارد لإنتاج علاجات جديدة ولقاح مضاد للفيروس، ويجب النظر إلى ذلك باعتباره منفعة عامة عالمية. ثانيا، نحن بحاجة إلى الحد من الضرر الاقتصادى من خلال تنسيق تدابير التحفيز المالى والنقدى وحماية تجارة السلع العالمية. ثالثا، يجب أن نخطط لإعادة فتح الحدود بطريقة منسقة كلما أعطت السلطات الصحية الضوء الأخضر لذلك. وأخيرا، يجب أن نتعاون لمكافحة حملات التضليل.
تصب نتائج القمة الافتراضية الأخيرة لمجموعة العشرين فى هذا الاتجاه العام. لكن لا بد من الحفاظ على المبادرات العالمية والمتعددة الأطراف وتنفيذها بالكامل خلال الأيام والأسابيع المقبلة.
مع انتشار الفيروس على مستوى العالم، ينبغى لنا أن نولى اهتماما خاصا لتأثيره المتزايد على البلدان الهشة، حيث يهدد بتفاقم الأزمات الأمنية القائمة. فى سوريا واليمن وغزة وأفغانستان، عانى ملايين الأشخاص بالفعل من صراعات استمرت لسنوات. فقط تخيل ما قد يتبع ذلك إذا ظهر فيروس كورونا فى مخيمات اللاجئين فى المنطقة، حيث تعمل خدمات الصرف الصحى والخدمات الصحية بالفعل فوق طاقتها ويكافح العاملون فى المجال الإنسانى لتقديم المساعدة.
ثم هناك إفريقيا، وهى ذات أهمية قصوى. حيث تمتلك البلدان الإفريقية بعض الخبرة التى تفتقر إليها أوروبا فى خضم هذه الأزمة، ويرجع ذلك إلى أزمة وباء إيبولا بين عامى 2014 و2016 وحالات أخرى من تفشى الأمراض. لكن أنظمة الرعاية الصحية فى القارة لا تزال ضعيفة بشكل عام، وعدد المصابين فى ازدياد.
فى كثير من البلدان النامية، لا يوجد أمام عدد كبير من الناس خيار سوى الخروج كل يوم لكسب العيش تحت مظلة الاقتصاد غير الرسمى. والأسوأ من ذلك أن غسل اليدين والتباعد الاجتماعى قد يكونان أكثر صعوبة فى هذه البلدان، لأن المياه الجارية ليست متاحة دائما، ولأن الأسر تميل إلى العيش فى أماكن ضيقة.
كما أن هذه معركة تحتاج إلى تمويل للفوز بها. بطبيعة الحال، تعتمد البلدان النامية بصورة حاسمة على ثلاثة مصادر للتمويل: الاستثمار الأجنبى، والتحويلات المالية، والسياحة. ومع ذلك، تتعرض هذه المصادر الثلاثة الآن لضربات شديدة. فعلى الصعيد العالمى، انخفضت تدفقات رأس المال بشكل كبير، حيث يفر المستثمرون إلى الملاذات الآمنة ويفقد العمال المهاجرون وظائفهم ولا يستطيعون إرسال الأموال إلى الوطن.
نحن نواجه ركودا عالميا. ولكى نتجنب حدوث انهيار اقتصادى فى البلدان النامية، فسوف نحتاج إلى خطوط ائتمان ودعم مالى كبير ــ وفى أسرع وقت. لذا فإن التنسيق بين البنوك المركزية والمؤسسات المالية الدولية هو السبيل الوحيد القابل للتطبيق فى الخطوات المقبلة.
وأخيرا، وسط هذه الكآبة العارمة، ثمة فرصة لإنهاء الصراعات التى طال أمدها. توجد بالفعل بعض المؤشرات الإيجابية للتعاون بين المتنافسين. فعلى سبيل المثال، أرسلت الإمارات العربية المتحدة والكويت مساعدات إلى إيران، التى تضررت بشكل خاص من فيروس كورونا 2019. فى نهاية المطاف، لا أحد يستطيع تحمل شن حروب متعددة فى نفس الوقت. وكما دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، ينبغى لنا أن نستخدم هذه الأزمة باعتبارها فرصة لاستعادة السلام.
فى بداية الأمر، واجه العالم الأزمة بطريقة غير منسقة، حيث تجاهلت العديد من البلدان إشارات التحذير وتصرفت بشكل فردى. لكن من الواضح الآن أن المخرج الوحيد هو أن نعمل معا.