حواديت تأبى النسيان”.. مقتنيات شهداء بحر البقر تبحث عن مكان أفضل”
ميدانيبعد يوم عمل شاق تقابل السيد عبد الرحمن مع صديق عمره محمد عبد الستار، وتوجها سويًا إلى المكان الذي دائمًا ما يجتمعا فيه ليستعيدا ذكرياتهما، ويقرأن الفاتحة لأصدقائهما الذين استشهدوا قبل 50 عامًا، ذلك المكان هو مدرسة بحر البقر الابتدائية، والذى وضعت فيه مقتنيات ومتعلقات ضحايا مجزرة بحر البقر، في انتظار أن تجد مكانًا أفضل لتستقر فيه، ويرأها العالم كله.
على بعد 160 كم من محافظة القاهرة تقع قرية بحر البقر التابعة لمركز الحسينية بمحافظة الشرقية، وتضم القرية ما تبقى من ذكرى الحادث، سواء النصب التذكارى الذى أقيم في المكان الذى شهد القصف، أو المدرسة الجديدة التي يضم أحد فصولها بقايا متعلقات الأطفال، من ملابس وألعاب وكراريس وتخت وصور توثق ما حدث يوم 8 إبريل من عام 1970.
انتقل "اليوم السابع" في رحلة سفر شاقة إلى "بحر البقر" ليلتقي هناك بالسيد عبد الرحمن وصديقه محمد عبد الستار، وأخرين من أهالى القرية، ومن بينهم الحاجة نبيلة والدة الشهيد "ممدوح الصادق"، والذين عبروا عن رغبتهم في أن توضع مقتنيات ومتعلقات الأطفال من ضحايا الحادث في مكان أفضل، ربما متحف مستقل يحفظها، وتكون متاحة لأن يراها العالم كله، باعتبارها جزء مهم من تاريخ مصر.
"نفسى يتعمل متحف تتحط فيها حاجات ابنى".. تقول الحاجة نبيلة والدة الشهيد ممدوح الصادق: "ليه ما يبقاش في مكان مستقل تتحط فيه حاجات الشهداء وتحافظ عليها، وكل إلى بقى من أبني شنطته ومداسه وشوية هدوم مقطعين، الله يرحمه كان نفسه يطلع ظابط علشان يطخ الطيارات، لكن الطيارات هي إلى قضت على حلمه قبل ما يوصله".
وعن يوم استشهاد "ممدوح" تقول الحاجة نبيلة: "فوجئت باثنين جايبين ابنى في حجرهم متقطع جسمه في حته ورجله في حتة تانية، وحطوه قدامى، الضربة شالت نص رأسه، وأنا عمرى ما نسيته، ودائمًا بحكي لأحفادي عن عمهم إلى استشهد واجمعهم حواليا علشان يفضل عايش معاهم.
محمد عبد الستار رجل في أواخر الخمسينيات من عمره، وصديق لشهداء المجزرة، يقول: "لأزم يكون في مكان مستقل ومتحف يجيله زياراته من العالم كله، ويكون متطور عن كده، هو طبعًا كده مش وحش الأول كانت الحاجات دي مرمية في كراتين، ولكن ده جزء مهم من تاريخ البلد، لأزم نحفظه، ونورثه للأجيال إلى جاية، يعرفوا يشوفوا إلى حصل في بحر البقر.
ويعود "عبد الستار"، بذاكرته للوراء ليحكي ما حدث يوم 8 إبريل عام 1970: " كان في آسى وحزن الناس بتجري إلى بيدور على ابنه والى مش لاقيه، والاسعافات رايحة وجاية وإلى طلع على المستشفى كان منظر دموي بشع، الحاجة أم عماد خدت ابنها في حجرها أشلاء جثة".
السيد عبد الرحمن أحد الطلاب الناجين من مجزرة بحر البقر يقول: "أنا أصيبت في رأسي وفى وشى ورجلي القصف لما نزل جاب التخت على بعضيها، وأنا لحسن حظى قبل القصف بثوان وقع مني قلم رصاص تحت التختة، نزلت أجيبه حصل القصف، وده إلي أنقذني.
ويقول "عبد الرحمن"، لأزم يكون في مكان أفضل لأزم تتنقل ليه متعلقات الأطفال وحاجاتهم، مكان يحافظ عليها، ليه ما يكونش في بانوراما زي "بانوراما 6 أكتوبر"، يبقى باسم "بانوراما بحر البقر"، تشرح إلى حصل مع الأطفال دول، ويزورها طلاب المدارس والجامعات في مصر والوطن العربي والعالم كله، هتبقى حاجة مشرفة.
المرشدة السياحية "بسنت نور الدين" تقول لـ"اليوم السابع": "معظم الأرض إلى كانت عليها المدرسة بني عليها العديد من البيوت، وبقيت قطعة أرض صغيرة للذكرى، وعلى بعد عدة أمتار منها بنيت مدرسة جديدة بنفس الأسم "بحر البقر"، وخصص فصل من المدرسة الجديدة ووضعت فيه باقى متعلقات الأطفال بطريقة لا تحفظها.
وتتابع "بسنت"، ملابس الأطفال وحقائبهم ولعبهم وضعت فوق بعضها البعض داخل فاترين غير مخصصة لحفظها من التلف، وكذلك كراسي الفصل والصبورة وصورهم، هذه المتعلقات غالية مثل أرواح أصحابها تستحق أن تكون في متحف يسهل على الناس الوصول إليه، ليروا تلك المتعلقات ليظلوا في ذاكرتنا، وهذا أقل واجب علينا تجاههم.