عصام نبوى يكتب..«الرأى»الجبان والمسموم..نيوتن وابن الدولة نموذجًا
بقلم عصام نبوىميدانيأعود بذاكرتي قليلًا لأتذكر لقب"نيوتن" عمود الرأى الذي كان يتستر خلفه كاتب أيًا كان اسمه على أشهر صحيفة يومية مستقلة، فيكتب ويحلل ويطرح القضايا ويهاجم ويؤيد، دون أي مسئولية تجعله يؤمن بما يقول أو يظهر للعلن ليؤكد صدق ما يطرحه ، تخفيه ليس شغفًا لجذب القارئ واستثارته، لكنه يتخفي لأن شخصيته الحقيقية وسيرته عليها المئات من علامات الاستفهام، التي يستحيل معها تصديقه والإيمان بما يطرحه. المهم أن الرجل المتخفي وجد الأمر مسليًا ولذيذًا لأنه من وجهة نظره يكفيه الشرور ويبعده تمامًا عن استهداف الأقلام والألسنة، فاقتنع تمامًا أن الحل في بث أفكاره دون الإعلان عن هويته المثيرة والمريبة، طالما تؤتي الكلمات ثمارها وترجح كفة عن أخرى.. فكانت قضاياه إما تأييدًا لأشخاص ومواقف يتم تسويقها للعامة والبسطاء، وحتى المثقفين بطريقة حرفية وذكية ومرتبة لخدمة جهات أو أشخاص بعينهم، وإما معارضة وانتقاد أيضًا لأشخاص ومواقف أيضًا لصالح آخرين. الأمر نفسه يعود ولكن بلقب جديد وصحيفة جديدة وبأفكار جديدة تخدم في معظمها السلطة والنظام القائم الآن، ولكنها في النهاية تصب في ذات السياق (التخفي)؛ لبث الأفكار دون المسئولية والاستهداف. الوجه الجديد يطلق على نفسه "ابن الدولة" يُحلل ويرصد ويكتب وينتقد ويشوه ويؤيد على إحدى الصحف الكبرى، ولكن على عكس نيوتن، امتد نفوذ "ابن الدولة" لينشر أفكاره عبر أكثر من صحيفة دون الاكتفاء بالصحيفة التي ولد فيها؛ ليصنع فكرًا جديدًا "ممولًا" ليغزو الوسط الصحفي. أدعى أنني عرفت النواية الحقيقية لصاحب اللقب الجديد (ابن الدولة)، الذي انتشر كالنار في الهشيم، وذلك من خلال متابعتي لكتاباته والتي لم تخرج عما ذكرته سابقًا، ووصلت لنتيجة حاسمة وهي أن "ابن الدولة ونيوتن" وغيرهما نماذج كثيرة ستتكرر وتنتشر وسط هذه الحالة العبثية التي نشهدها الآن، كما أنها ستكون أبواقاً قوية لترميم شروخ الفساد وانهيار العدالة والحرية. تأكدت تمامًا أن المتسترين خلف الألقاب والذين يحاولون اللعب في العقول من وراء الجدران صنفان: الأول منهما جبان وضعيف ثوبه مليء بالثقوب السوداء، يخشى أن يظهر بشخصيته الحقيقية؛ فلا يقوى على المواجهة فيكون مصيره الفشل والتشكيك والاندثار، ثم في مراحل لاحقة الاستهداف، الثاني هو مكلف بالعبث بالعقول يتم مده بجميع المعلومات اللازمة، يروج لكل وجهات نظر الدولة، يدافع عن سقطاتها، يستهدف ويشوه معارضيها، يحاول ترتيب أوراقها لإزالة الفجوة والالتباس مع منتقديها. والمهم في الصنفين أنهما على قدر عالٍ من الحرفية والتلاعب بالألفاظ؛ يجيدان الوصول إلى عقل وباطن البسطاء والمشوشين والحائرين، الصنفان أيضًا يتفقان على هدف واحد وهو (قيادة حروب الرأي بالوكالة عن الآخرين)، سواء كانوا حكامًا أو من أصحاب المصالح واللاهثين للمكاسب السياسية والاقتصادية.